يسجّل التربويون مجموعة معوقات تواجه التعليم الأساسي الرسمي، تبدأ بكلفة تعليم التلميذ التي تفوق الإنفاق عليه في مدرسة خاصة، ولا تنتهي بالترفيع الآلي الذي يخرّج تلامذة أميين
البقاع ـ رامح حمية
هل يعقل أن يستعاض، في إحدى المدارس الرسمية، عن المعلمة المتخصصة لمرحلة الروضات بأساتذة باتوا على مشارف التقاعد؟ هو واحد من أسئلة عدة تطرح عن واقع التعليم في المدارس الرسمية في البقاع.
تعاني هذه المدارس، كمثيلاتها في المناطق، الحرمان والنقص في التجهيزات والمناهج وغيرها من الأمور الأساسية والجوهرية لاستمرار عملها. وكان لافتاً قضية إقفال إحدى المدارس الرسمية في منطقة غرب بعلبك أبوابها أخيراً بعدما تبيّن أن كلفة تعليم التلميذ فيها بلغت 4500 دولار أميركي! وجرى التوصل إلى هذا الرقم بعد حساب إيجار المبنى الخاص بالمدرسة، وإضافة رواتب 11 أستاذاً يدرّسون فيها، وقسمت ذلك على عدد التلاميذ فيها. ويتضح بالتالي أنّ تعليم تلميذ واحد في هذه المدرسة وصل إلى مبلغ يفوق كلفة الإنفاق عليه في مدرسة خاصة.
ويشير مدير إحدى المدارس الرسمية في غرب بعلبك إلى مشكلة أخرى. ففي مرحلة الروضات التي تعدّ أساسية، يمنع التعليم في غير الكتاب الوطني. وقد لجأ المدير، العام الماضي، إلى كتب أخرى اعتبرها أفضل من الكتب الرسمية، ويمكن أن تسهم في تحسين المستوى التعليمي للتلاميذ. «إلّا أنني اصطدمت بالتفتيش وسبّب ذلك مشكلة»، كما يقول. ويلفت هذا المدير إلى أنه لو أراد أحد المديرين اعتماد كتب خاصة غير تلك التي تطلبها الدولة، فعليه عرضها شخصياً على المدير العام والمركز التربوي للبحوث والإنماء ومديرية التعليم الابتدائي والتفتيش للدراسة.
ويطرح مدير متوسطة رسمية في البقاع موضوعاً آخر يواجه المديرين والتلاميذ على السواء، وهو «الترفيع الآلي أو الميسّر» في الحلقة الأولى. ويؤكد هذا المدير أنّه، بالنظر إلى المنهجية الجديدة والكتب المعتمدة، بعد الترفيع الآلي يصبح «بين أيدينا تلامذة في الصف الرابع أميّون لا يستطيعون التهجئة!».
هذا التراجع في المدرسة الرسمية يدفع بعض البقاعيين إلى التخلّي حتى عن مجانية التسجيل والكتب، والتهافت على المدارس الخاصة، رغم أقساطها التي لا ترحم ومتطلباتها التي لا تنتهي.
من جهته، يؤكد مسؤول تربوي في أحد الأحزاب أنّ هناك قراراً صادراً عن وزارة التربية والتعليم العالي يحوّل ساعات الفنون في المدارس الرسمية، التي لا يوجد فيها أستاذ لهذه المادة، إلى ساعات فراغ. إلى جانب ذلك، هناك قرار يمنع التعاقد لساعات الفنون والنشاطات اللاصفية. ويتحسّر المسؤول لافتقاد المدرسة الرسمية تعليم بعض المواد، كاللغة الأجنبية الثانية والكمبيوتر، التي تعدّ ضرورية في هذا العصر. ويلفت إلى أنّ المناهج الرسمية باتت متخلّفة، مؤكداً أن «بعض الكتب في مرحلتي المتوسط والثانوي منقولة بشكل فاضح عن مناهج التعليم الفرنسي التي تعود إلى 1964، فيما المدرسة الخاصة تتمتع بحرية كاملة في اختيار المؤلف ودار النشر كل عام». وإذا كانت مشاكل المدارس الرسمية في البقاع متراكمة منذ سنوات، ولا يمكن حصرها، فإن مديري هذه المدارس يدركون أن الوزارة على علم بها، ويرون أن القطاع التربوي برمّته يحتاج إلى «تأهيل فعلي واهتمام متكامل لا مرحلي».


يؤكد المسؤول التربوي الحزبي أن المدارس الخاصة المجانية تسطو على تلاميذ «الرسمية» عبر وسطاء تربويين وظيفتهم توفير تلاميذ لقاء بدل مادي. فهمّ هذه المدارس توفير 550 تلميذاً لنيل الرخصة التي تقبض بموجبها من الدولة. ويقول: «كل 11 تلميذاً يؤمّنون كلفة صف، وما يزيد يُعدّ ربحاً إضافياً».