يُحفَظ كل ما يصدر من أحكام قضائية في مكتب السجل العدلي، حيث تبقى الأحكام على الورقة الصفراء حتى بعد إزالتها عن الزرقاء. ويدعو قانونيون إلى تعديل النصوص، بما يتناسب مع الحقوق الإنسانية
نبيل المقدم
لم يصدّق غسان أن وظيفة في إحدى الشركات قد سنحت له بعد طول انتظار، لكن أمله باستقرار حياته مادياً ما لبث أن تبخر عند أعتاب السجل العدلي. كان غسان قد افتتح تجارة بسيطة، لكنه سرعان ما مني بخسارة. ولم يجد وسيلة لإسكات الدائنين (إلى حين) إلا بالشيكات المؤجلة. وبعد فترة قصيرة، وجد غسان نفسه في أحد المخافر بعدما ادّعى عليه أحد دائنيه بتهمة تحرير شيك من دون مؤونة. استطاع غسان تسوية الأمر مع المدعي الذي أسقط حقه الشخصي، إلا أنه لوحق بالحق العام، وصدر حكم قضائي بتغريمه مبلغاً من المال، على أن يحبس يوماً واحداً مقابل كل 10 آلاف ليرة في حال تمنّعه عن دفع الغرامة. ظن غسان أن الأمر وقف عند دفع الغرامة. وعندما سنحت له فرصة وظيفة في شركة خاصة، طُلِب منه الحصول على بيان «السجل العدلي»، الذي يثبت وجود أو عدم وجود أحكام قضائية بحقه، فأقفل سجله العدلي باب التوظيف في وجهه.
بيانات السجل العدلي تصدر عن مكتب السجل العدلي التابع لوحدة الشرطة القضائية في قوى الأمن الداخلي، وينظم عملَ المكتب المرسوم 4385 الصادر يوم 5/11/1972.
في السابق، كانت خلاصات الأحكام تُسجل يدوياً في المكتب، وكان على المواطن أن ينتظر ساعات طويلة للحصول على بيان سجله العدلي، كذلك كانت الدائرة تعاني ارتفاع نسبة الأخطاء في تدوين المعلومات. وعلى سبيل المثال، بعدما ولِد «مازن» خارج لبنان، حيث عاش نحو 35 عاماً، عاد إلى وطنه الأم ليجد على سجله العدلي 10 أحكام غيابية بانتطاره.
ولكن مع دخول المكننة اليوم إلى هذه الدائرة، بات المواطن يحصل على سجله العدلي بدقائق معدودة. وقد أخضِع فريق من أفراد الشرطة القضائية لدورات تدريبية على برنامج حديث لإدخال المعلومات واستخراجها. وأكد مسؤول أمني رفيع أن الأخطاء تلاشت إلى حد ضئيل جداً، وهي تتعلّق إجمالاً بإدخال بيانات غير صحيحة، مثل أن ينقل الموظف الاسم بطريقة خاطئة، مما يؤدي إلى إعطاء بيان سجل عدلي مغاير للحقيقة. لكن هذا السجل، بحسب المسؤول نفسه، لا ينفع طالبه لأن من سيقدّم إليه لن يقبل به.
ومن ناحية أخرى، يتساءل بعض القانونيين عن جدوى وقوف بعض الأحكام ــ وخاصة تلك الناتجة من جنح بسيطة أو المتعلقة بغرامات يدفعها المحكوم ــ حائلاً أمام توظيف المحكومين. ويجيب مصدر قضائي بالقول إن «حصول البعض على فرص عمل ليس خاضعاً للسجل العدلي، بل هو خاضع لأعراف بعض المؤسسات التي تطلب هذا المستند. وهناك مؤسسات تغض النظر عن هذا الموضوع، إذ ليس هناك من قانون يلزم المؤسسات بطلب السجل العدلي، كما أن هناك قانوناً يُبحث منذ فترة في لجنة الإدارة والعدل النيابية يقضي بإسقاط الحق العام تبعاً لإسقاط الحق الشخصي».
باخوس: للتوسّع في تفسير القانون
بدوره، يقول الرئيس السابق للجنة الإدارة والعدل النيابية، والرئيس السابق للجنة تحديث القوانين، النائب السابق أوغست باخوس، إن هذا الموضوع كان «أحد هواجس أعضاء لجنتي الإدارة والعدل وتحديث القوانين، وذلك انطلاقاً من شرعة حقوق الإنسان. وقد شعرنا بأن الكثير من اللبنانيين المغتربين يمتنعون عن العودة إلى لبنان مخافة تعرّضهم للتوقيف لعدة أيام، إلى حين تسوية أوضاعهم، نتيجة وجود إشارات على صحيفة السجل العدلي الخاصة بهم، نتيجة أحكام بغرامات أو جنح بسيطة». يضيف باخوس: «ومن الأمور التي أشبعناها بحثاً في ذلك الوقت مسألة مرور الزمن على صحيفة السجل العدلي، ولا سيما في الجنح، مما جعل المواطنين، وخصوصاً الموجودين في الخارج يطمئنون إلى عودتهم لأنه أصبح بإمكانهم تنظيف سجلهم العدلي أمام الهيئة الاتهامية، شرط أن تكون قد انقضت 3 سنوات على الجنحة و7 سنوات على الجناية. ويؤيد باخوس إلغاء هذا الشرط أيضاً، في ما خلا جرائم القتل والمخدرات.
ويستشهد باخوس بالقانون الفرنسي، الذي لم يعد ينصّ على سجن من يصدر شيكاًَ من دون مؤونة. ويؤيد الرئيس الأسبق للجنة الإدارة والعدل إصدار قانون عفو عن هذه الجنح والغرامات، مما يريح الكثير من اللبنانيين. ويدعو باخوس الهيئات الاتهامية المولجة بهذا الموضوع إلى استخدام حقها في التوسع بالتفسير، مما قد يؤدي إلى إعادة الاعتبار وتنظيف السجل العدلي قبل انقضاء المدة المنصوص عنها في قانون أصول المحاكمات الجزائية.


بين الأصفر والأزرق

تُصدِر مكاتب السجل العدلي ما معدّله 1400 سجل يومياً. وهناك نوعان من السجلات: الأزرق، الذي يُعطى بناءً على طلب المواطن، والأصفر الذي يطلبه القضاء حصراً. ولا يمكن المواطن أن يزيل الأحكام الواردة على السجل الأصفر، إلا أن المحكوم بجناية، يمكنه بعد 7 سنوات من انقضاء محكوميته التقدم بطلب لرد اعتباره، وإزالة الأحكام عن السجل الأزرق. أما المحكوم بالحبس بناءً على جنحة، فيلزمه 3 سنوات. كذلك فإن رد الاعتبار يسري تلقائياً على المحكوم بجنحة بعد انقضاء 7 سنوات على إتمام المحكومية، شرط عدم معاقبته خلال تلك الفترة بالحبس أو بحكم أشد.