خضر سلامةطوّر علماء أوروبيون في فيينا، شبكة معلوماتية تمتد على 200 كلم من الألياف البصرية، مزوّدة بكود حماية كمّي،cryptage quantique. تتركز الشبكة على سلّم معادلات معقد جداً، يمكن أن تكون واحدةً من أكثر الشبكات المعلوماتية حمايةً وأمناً في العالم، ويقول العلماء إن أي اختراق أو قرصنة ضد هذه الشبكة «غير» ممكن. عملية الترميز (كود) هذه المرة غير تقليدية، فبينما كانت الحمايات السابقة ترتكز على مبدأ «التشفير» المعتاد، الذي يكون تعقيداً لحسابات رياضية عديدة متداخلة، تستعمل التقنية الجديدة مبادئ فيزياء الجسيمات، حيث تعتمد على تشكل الفوتونات، وهي جسيمات مسؤولة عن الإشعاع الكهرومغناطيسي ومعدومة الشحنة الكهربائية، وتختزن كمية من الطاقة، وتعتمد التقنية أيضاً على جمع زوجٍ من جسيماتٍ ما ذي خاصيات معينة (سرعة، اتجاه، قطبية..)، ما يحدث تناقضاً بين معطيات الطرفين مهما كانت المسافة التي تفصلهما، مثلاً، إذا حضّرنا زوجاً من الفوتونات A و B، وأرسلنا فوتون A إلى مجرة أندروميدا، وبقي فوتون B على كوكب الأرض، وغيّرت كائنات أندروميدية معايير A، فإننا سوف نلاحظ عبر B تغير هذه المعايير ونكتشف خللاً في النظام الذي يصلهما ولو على مسافة سنين ضوئية.
هذه الظاهرة كانت قد وضعت كنظرية استندت إلى ملاحظات كوبنهاغ على فيزياء الكم: ما دمنا لم نضع أية قياسات، فنحن إذاً لا نملك أية حالة معرفة، القياسات الدقيقة تحدد إذاً حالةً معينة، لكنها لا تمكن من فهم ماذا كان هناك قبل هذه الحالة، الفوتون إذاً يمكن أن يُربط بقطبين معاكسي الاتجاه في الوقت نفسه، هذه النقطة كانت قد أربكت أينشتاين، وبودولسكي وروزن وغيرهم من كبار العلماء، أينشتاين، أبو النسبية، ركّب نظاماً لإثبات أن تغيير قياسات فوتون ما، سيؤثر على شريكه المربوط به قطبياً، واعتقد أن لا وجود لمثل هذه الحالة وهي مجرد شرح ضوئي.
عام 1982، حصل العالم الفرنسي آلان أسبكت على شرح فيزيائي كمّي لظاهرة الفوتونات، ومنذ ذلك الوقت، وضعت تطبيقات عدة سمحت بتصوّر معنى التحكم الكمي، والكود الكمي، لنستنتج بعدها أننا إذا استطعنا شبك جسيمات ضوئية حيث تشكل بعضها رسائل تحذيرية، يمكن عندها إذاً اختبار حقيقة هذا الكود الذي يمكن وضعه.
هكذا صارت صناعة ترميز كمي ممكنة، ليست الرسالة المتنقلة بين القطبين هي ما يجب ترميزه، لأن الداتا ذاتية وحرة.
هذه الطريقة تسمح بخلق مفتاح، يمكن تغييره بكل سهولة ودون أي هم تقني، هذه الطريقة إذاً تلائم الكريبتوغرافي المتناظر، حيث لا يملك المستخدمون إلا مفتاحاً معلوماتياً واحداً.
ومنذ بضعة أعوام، بدأ اختصاصيو المعلوماتية سبر أغوار هذه النظرية، من أجل ابتداع نظام متكامل قائم على مبدأ الكريبتوغرافي الكمي الأنيق والمتماسك أمنياً والصعب فكه، أطلق الاتحاد الأوروبي عام 2004 برنامجه secoqc - Secure Communication based on Quantum Cryptography، 40 طاقم بحث شارك في العمل من أوروبا، مع مشاركة كندية، سويسرية وروسية أيضاً، وضع الباحثون تقنية تستعمل قطبية الضوء الذي يمكن أن يأخذ قيمتين في وقت واحد، وقاموا باستعراض هائل كتجربة نهائية في فيينا، جمع الباحثون أربعة كمبيوترات في فيينا إلى كمبيوتر خامس في سانكت بولتن، على بعد 60 كيلومتراً، الوصلات ضمت أليافاً بصرية مجموعة بعضها على بعض، ليكون الطول الحقيقي لها 200 كيلومتر.
التجربة سمحت بالتواصل الصوتي والمرئي، وهجوم القراصنة على الشبكة كشف بلحظتها، الإشارة عبرت بسرعة من مكان الهجوم إلى الجهاز الذي عطّل الاتصال بين الطرفين، ونقله إلى موجة أخرى بعيدة عن موقع الهجوم، إذاً لم يُواجه الهجوم، بل كُشف لحظة حدوثه.
الزبائن المحتملون لهذه الشبكة هم من البنوك الحاضرة لمشاهدة التجربة، التي تنقصها ضمانات أكثر دقة لبحث احتمال استعمالها يوماً.