محمد زبيبيبدو أن الأزمة المالية العالمية لم تُجبر تلامذة «مدرسة شيكاغو» على التراجع بعد. فهؤلاء، الذين يتعرّضون الآن لانتقادات حادّة، بدأوا بشنّ هجوم مضاد، وأغرقوا الصحف والشاشات ومواقع الإنترنت بمقالات تستند إلى المبدأ نفسه، الذي قامت عليه «أيديولوجيتهم»، بالقول «إن الأزمة الراهنة، كما الأزمات السابقة، سببها السياسات التدخّلية التي تمارسها السلطات، فتعيق عمل الأسواق الحرة». هؤلاء الأمناء لأفكارهم، من الطبيعي أن يكونوا غير مستعدّين للإقرار بوجود الأزمة في النظام الرأسمالي. فالمشكلة تكمن دائماً، برأيهم، في تدخّل الدولة، حتى لو كان هذا التدخّل لحماية رأس المال أو الثروة! لذلك يجهدون اليوم لإثبات أن السوق الحرة غير المقوننة، التي ينادون بها، لم تكن موجودة لكي تجري محاسبتها أو تحميلها المسؤولية... والمفارقة أنهم يلتقون بموقفهم هذا مع خصومهم الذين يعتبرون الدعوة إلى هذه السوق مجرد «وهم» يغطي وظائف الدولة الرأسمالية في التدخّل كلما استشعرت خطراً يهدد مصالح من تمثّلهم.
يقول التلامذة اليوم إن الأزمات السابقة أنتجت آلاف «الإجراءات التنظيميّة» التي تحوّلت إلى مصادر لأزمات إضافية، ويتوقّعون بالتالي أن تؤدّي «الإجراءات» المتخذة حالياً إلى بروز أزمات أخرى في المستقبل... بهذا التبسيط يحاولون نفي مقولة «إن النظام الرأسمالي مأزوم في طبيعته».
لا وجود للاقتصاد السياسي عند هؤلاء. وردّهم على الأزمة التي تهدّد العالم بالكساد، أن أكثر من 12 ألف موظّف حكومي في مؤسسات المجلس الاحتياطي الفدرالي يتفرغون لتنظيم ومراقبة الأسواق المالية «ارتكبوا الأخطاء!»... المسألة تقنية، ودليلهم على ذلك، أن الفضائح المحاسبية في شركة «أنرون»، دفعت إلى اتخاذ المزيد من «الإجراءات التنظيمية المحاسبية الصارمة»، فجرى اعتماد مبدأ «القيمة السوقية الحقيقية»، وهو ما أدى، عند حصول الهلع في الأسواق، إلى اضمحلال السيولة وابتعاد المشترين، وبالتالي إلى انخفاض السعر عند عرض الأصول للبيع، فوجدت المؤسسات أن قيمة أصولها قد تلاشت.
«عنزة ولو طارت»، مَثَلٌ يدل على موقف هؤلاء الذين يأخذون من أزمة النظام مناسبة لتجديد الدعوة إلى عبادة السوق الحرّة التي لا وجود لها إلا في الخيال.