محمد خواجه *بمعزل عن النوايا الأميركية والإسرائيلية التواقة إلى شن الحرب، وبمعزل عن المعوقات الذاتية والموضوعية، التي حالت في الحقبة الماضية دون تحويلها إلى فعل ميداني. ومن دون الخوض في تفاصيل رد الفعل الإيراني المضاد، كونه استحوذاً على حيّز كبير من الكتابات، نعتقد أن الحدثين اللذين استجدّا على المسرح الكوني، في الشهرين الأخيرين، جعلا مهمة دعاة الحرب في واشنطن وتل أبيب أكثر صعوبة. وهذان الحدثان هما:
1ـــ النزاع الجورجي ـــ الروسي: إن الحرب المحدودة التي اندلعت على بوابة القوقاز الجنوبية، تعدت بمفاعيلها الصراع بين دولتين متجاورتين، بخصوص إقليم متنازع على هويته، لتشير إلى بدء تهاوي القطبية الأحادية، وبداية تشكل عالم متعدد الأقطاب.
ويقدر المراقبون أن نتائج هذه الحرب جعلت فرضية مهاجمة إيران تتراجع إلى حدودها الدنيا. ويبني هؤلاء تقديرهم على أن الإدارة الأميركية المنهكة في حربي أفغانستان والعراق، تورطت في فتح جبهة جديدة، ما يزيد من تشتت جهودها، ويقلل من قدرتها على القيام بمغامرة عسكرية راهناً. إضافة إلى أن روسيا الساعية لاسترجاع بعض نفوذها القديم، سيتصلب موقفها الرافض لأي حل عسكري ضد الجمهورية الإسلامية. وقد برز جانب منه في تصريحات الرئيس ديميتري ميديفيدف، أثناء انعقاد قمة شانغهاي الأخيرة.
2ـــ الأزمة المالية الأميركية: يرى الخبراء أن ما تشهده أروقة «وول ستريت»، يتعدى أزمة نظام مصرفي متعثر، يمكن علاجها عبر ضخ 700 مليار دولار في شرايينه، بل هي أزمة عميقة تمس بنية النظام الرأسمالي الأميركي.
وأشار بعضهم، متهكّماً، إلى أنّه لشدّة المأزق لجأ منظرو هذا النظام إلى كارل ماركس، علّهم يجدون الترياق الشافي عنده. يبدو أنّ تداعيات هذه الأزمة لن تقتصر على الولايات المتحدة فقط، بل هي مرشحة لإصابة الاقتصاد العالمي برمته، الذي تحوّل، في العقدين الماضيين، إلى عربة تجرها القاطرة الأميركية. وقد ينتج من هذا الأمر فقدان أميركا دورها القيادي في هذا المجال، ما سوف يسرّع تفكك نظام القطب الأوحد، لمصلحة تعدد الأقطاب.
ومن الظلم تحميل إدارة بوش كامل المسؤولية عن هذا الانهيار، فالقصة بدأت مع صعود الريغانية. حينها، رفع منظرو النيورأسمالية شعار «دع السوق يَقُدْ». لكن هذه الإدارة تتحمل المسؤولية عن تسريع وتيرته، كونها تمنطقت بزمام الأمور في البيت الأبيض، خلال ولايتين كاملتين، وهي منحدرة من السلالة الريغانية.
كما قادت بلادها إلى الحروب، واقتصادها إلى شفا الهاوية، وباتت الأقل شعبية في تاريخ الحكم الأميركي. وبالتالي هي أعجز من أن تقدّم على افتعال حرب على إيران؛ فالحرب بحاجة إلى قرار من الكونغرس، يحيط به مناخ شعبي مؤيد، كما حصل عقب أحداث 11 أيلول 2001، ولا نظن أن هذا المناخ متوافر الآن.
لقد كان توقع الحرب في الوقت الضائع الذي أشرنا إليه أعلاه، خلال الشهرين الماضيين، أمراً مرجّحاً. لكن بعد الحدثين الكبيرين اللذين أضأنا عليهما، باتت حظوظ تلك الحرب شبه معدومة، إلا إذا أبت إدارة بوش الرحيل من دون استكمال دورة الجنون، وزج أميركا والعالم في حرب كارثية جديدة.
* باحث في الشؤون العسكرية