لن يجد من يجول في البقاع الشمالي اليوم قطعة أرض مزروعة بحشيشة الكيف. لا لأنّ القوى الأمنية تلفَتِ المحاصيل، بل لأنّ المزارعين تمكّنوا من قطفها. أما القوى الأمنية فتتوعّد التجار بما لم تفعله مع المزارعين
البقاع ــ رامح حميّة
للعام الثاني على التوالي، يتمكّن مزارعو حشيشة الكيف في البقاع الشمالي من قطف محاصيلهم، لكنهم هذا العام لم يكونوا مضطرّين لترقّب أخبار التلف، أو رصد دوريات القوى الأمنية، أو القيام بنوبات حراسة مسلحة، ولم يستعجلوا جمع المحصول. وبعد القطاف، بدأوا بنشر «الرزق» على رقاع من «الخيش» تحت أشعة الشمس، قبل تخزينه في مستودعات «بعيدة عن الأعين»، قبل تصنيعه في كانون الثاني المقبل. ويعد الموسم هذا العام «بإنتاج وافر ومميز»، بحسب أحد المزارعين، «وخاصةً أن النبتة نالت قسطها الوافر من العناية، إضافة إلى المدة اللازمة للنضوج (حتى ما بعد الأول من تشرين الأول)، بخلاف العامين الماضيين»، عندما حاولت القوى الأمنية تلف الزراعات الممنوعة، ما دفع المزارعين إلى قطفها باكراً.
أينعت النّبتة هذا العام إذاً، وأمعن المزارع خلال الأيام الماضية في قطع ساقها التي تجاوز ارتفاعها متراً ونصف متر، فيما وقفت القوى الأمنية موقف من «يدير ظهره» للمسألة، حسب تعبير مصدر أمني. إلا أنّ مرجعاً أمنيّاً رفيعاً أكّد لـ«الأخبار» أن القوى الأمنية ستبذل جهوداً مضاعفة هذا العام لمكافحة المخدرات، رغم عدم التمكن من إتلافها، لأسباب تتعلّق بالأوضاع الحياتية والأمنية والسياسية. إذ إن الإتلاف بحاجة إلى قرار سياسي يدعم القوى الأمنية، ويوفر لها مؤازرة الجيش اللبناني الذي كان هذا العام مشغولاً بتثبيت الأمن في بيروت والشمال. وتجدر الإشارة إلى أن الشرطة القضائية كانت قد كشفت على الحقول المزروعة بالنباتات الممنوعة، إلا أن المزارعين اطمأنوا قبل نحو شهر إلى أن تلف المزروعات لن يتم هذا العام، لغياب أي بوادر لذلك.
أحدهم، «أبو علي»، رأى أن العام الجاري يحمل «إنتاجاً جيداً»، وذلك بحسب خبرته الطويلة التي تمتد إلى أربعين عاماً. يقدّر غلّته بأكثر من 15 كيلوغراماً من النوعية «المميزة والفاخرة»، ويقول إنه بحاجة إلى يومين آخرين لإنهاء عمله والتوضيب والتخزين. ويشير إلى أن زراعة الحشيشة هذا العام تّعدّ الوحيدة الرابحة بين كل الزراعات البقاعية، وهي «ما بعمرها خذلتني وخسّرتني». أبو علي معجب برخص كلفة الإنتاج، «فاليد العاملة من القطاف وحتى التصنيع تأخذ 2 كيلو من إنتاجي والباقي لجيبتي».
من جهته، لفت أحد مزارعي الحشيشة إلى الركود الذي أصاب سوق الحشيشة في العام الماضي، بسبب رداءة الإنتاج، «إلا أن الطلب كبير هذا العام لإدراك الجميع بأن الإنتاج سيكون مميزاً». ورجّح أن يرتفع السعر إلى ما بين 100 و500 دولار، بحسب النوع («الزهرة» و«الكبشة» و«الثالثة»).
حشيشة الكيف في البقاع قطعت أشواط الزراعة والقطاف والتشميس والتخزين في الغرف الجافة، وباتت بانتظار المراحل الأخيرة في كانون الثاني مع التصنيع. يبدأ الفصل الأخير من الإنتاج بفصل الأوراق عن ساق النبتة بواسطة الضرب بعصي، ومن ثم عرضها على التوالي على 3 أنواع من الغرابيل: «المنخل الناعم»، ثم «المعاون» و«المقطف». الصنف الأجود يسمى «الزهرة»، أما الباقي من الغربلة فتعاد غربلته ليستخرج منه «الكبشة». أما الصنف الثالث فيسمى «الثالثة» وهو الناتج من الغربلة الثالثة.
وأوضح أحد المزارعين أن البيع هذا العام سيتم بـ«الكيلو»، لا بـ«الهقّة» (1250 غراماً) «لأن هذه الطريقة تربح أكثر». يؤكد «أبو علي» أن «تجاراً من أميركا يأتون لأخذ الغلّة، إذ إن الحشيشة لا تستخدَم في لبنان»، متجاهلاً كل الأرقام الصادرة عن الشرطة والجمعيات، والتي تؤكّد عكس ما يقوله. مزارع آخر يأمل أن يشكل عدم إتلاف الموسم الحالي «انطلاقة نحو تشريع زراعة الحشيشة، لأنها لو نُظِّمَت من السلطة فسوف تعود بالربح الكبير الذي يمكّننا من سداد ديون الدولة»!