سلطانة متيركتعاني بلديّة الريحان في منطقة جزين بالجنوب من أمرين: إخفاق وحيرة. الإخفاق في توقيف مرامل جبلها غير القانونية، والحيرة في كيفية الحفاظ على ما بقي من الجبل ومعالمه التي تعدّ أهمها مغارة الريحان. فهذه الأخيرة يجب العمل سريعاً على إنقاذ أجزاء منها تتعرض للتفتت والانزلاقات، وخصوصاً أن الخسائر التي تحدث فيها غير قابلة للإصلاح. فالترسبات الكلسية التي تجعل منها مغارة مذهلة، أخذت مئات الآلاف من السنين كي تتكوّن.
لذا بادرت البلدية والنادي الثقافي الاجتماعي في البلدة للاتصال بالجمعيات والمؤسسات غير الحكومية، لمساعدتها على إيجاد الموارد لتنمية السياحة البيئية في جبل الريحان، وتأهيل أجزاء المغارة، وإشراك فاعل للمواطنين في هذه العملية. هكذا أبدت جمعية البيئة والتراث في صيدا رغبتها برصد خبراتها وقدراتها البشرية، والتقنية، لتنفيذ المشروع المقترح، وإعادة تأهيل ما يعادل 40% من المغارة، وهي الأجزاء المعرّضة للتفتّت أو الانزلاق.
على الرغم من التشوّه الكبير الذي تعرّضت له المغارة من تكسير وتدمير للصواعد والهوابط، (مترسبات كلسية) ورمي بعض النفايات فيها، ووجود كتابات مستحدثة على ترسباتها الكلسية، إلا أنها تعدّ أجمل مغارة في الجنوب، نظراً لتنوّع تكوّناتها الكلسية. إذ تمثل هذه التكوينات 70% من مساحتها. ومن ناحية أخرى، فإن المفهوم السائد في الدول المتقدمة عن المغاور السياحية لا يعتمد فقط على الناحية الجمالية، بل هناك أوجه عدّة يمكن استغلالها، وخصوصاً مواردها الطبيعية الداخلية والخارجية، من ثروة حيوانية ونباتية. حسب التقرير الذي أعدّه كل من د .بدر جبور جدعون رئيسة «الجمعية اللبنانية لدراسة المغاور»، وعضو «الجمعية اللبنانية للمغاور السياحية» وداني خلف «عضو الجمعية اللبنانية لدراسة المغاور».
أما بيئة المغارة الخارجية، فإن أي استصلاح يطاولها يجب أن يكون على مستوى الأهمية التي أولاها الاختصاصيّون لداخلها. وعلى الرغم من أنّ المغارة تمتد 185 متراً، فإنّ الجزء الذي يمكن استصلاحه لا يتعدى 90 متراً منها. إذ إنّ القسم الذي يوجد في القاعة الخامسة لا يمكن الولوج إليه نظراً لصعوبة ممراته الضيقة، وبالتالي، فإنّ أي محاولة استصلاح لهذا الجزء ستؤدي حتماً إلى تشويهه بإزالة الكثير من الترسبات الكلسية. ويمتد القسم الذي يمكن استصلاحه والعمل فيه من المدخل إلى الصالة الرابعة. وهذا لا يتطلّب الكثير من الأعمال الإنشائية ما عدا المدخل الذي لا يؤثر في بيئة المغارة الداخلية. ويشير التقرير الذي أعدّه مجلس الإنماء والإعمار إلى أنّ مغارة الريحان، هي ثاني مغارة مكوّنة من هذه الطبقة الجيولوجية في لبنان. فالمغارة الأولى هي «سرعاتا» الواقعة في منطقة فاريا، ويبلغ تكوينها ما يقارب 500 متر.
يقوم المشروع بوضوح على أهداف واقعية. ويهدف إلى المساهمة في حماية الموارد الطبيعية والثقافية والتاريخية في جبل الريحان، عبر خلق فرص اقتصادية ورفع الوعي بشأن أهمية حماية هذه الموارد من أجل حياة أفضل. عند الانتهاء من المشروع، تتسلّم بلدية الريحان مسؤولية متابعة حماية المغارة وصيانتها من أي تدهور ناتج من الممارسات البشرية.


كيف اكتشفت؟

اكتشف مغارة الريحان في آذار 1937 أحد الرعيان حين شردت عنزة من قطيعه بين صخور القلعة ثمّ خرجت وعلى فمها آثار ماء. فدخل إثرها ليكتشف مغارة طبيعية. تتمتع الريحان بمواصفات تسمح لها أن تكون المرفق الوحيد الذي يمكن استثماره في نطاق السياحة البيئية الجوفية بالجنوب.
فعلى بعد 20 متراً من الطريق المعبّد بين عرمتى والريحان، على منحدر الجبل، يقع مدخل المغارة في مقلع الحجارة المعروف بالقلعة الكبيرة. مستغورون لبنانيّون مهتمّون بالعالم الجوفي، زاروا المكان وأشاروا إلى وجود مغارة غنية بالتكوينات الكلسية، يبلغ طولها 185متراً. لكن لم يتسنّ آنذاك للفريق إجراء مسح طوبوغرافي.