هدى بياسيلا شك في أن كلاًّ منّا ينظر إلى الكتاب بعين نفسه، وأن قدرتنا على معالجة ما نقرأ ليست سوى مرآة تعكس ما نعيشه ونلاحظه، وفي كثير من الأحيان ما نعتنقه.
تقول الفلسفة الديكارتية: «أنا أفكّر إذاً أنا موجود». والتفكير عملية ذهنية تحتاج إلى ممارسة يتقنها الإنسان من خلال المواجهة والتطوير الذاتي والتعلُّم الذي لا يكون إلا عن طريق القراءة والبحث والتحليل، مما يدفعني إلى تغيير المنهج الديكارتي لأقول: «أنا أقرأ إذاً أنا موجود».
لماذا القراءة؟ لأنه سبحانه وتعالى قال لرسوله الكريم في أول أمرٍ سماوي: «إقرأ». فنحن إذاً أمّة معنيّة بالقراءة منذ فجر الإسلام، حيث كان الإنسان يقرأ عن الألواح الطينية وجلود الحيوانات وأوراق البردى وصولاً إلى الكتاب والآن الإنترنت.
وبدأ «الصراع» وبدأت التساؤلات تثير شبهة الشرعية الأدبية للنشر الإلكتروني، وخاصة أن الإنترنت يُعدّ مكتبة ضخمة غير منظّمة، وهو ساحة مفتوحة للنقاش دون رقيب أو حسيب. مما يطرح إشكاليات عدة، أهمها الميزات التفاعلية والإمكانات الواسعة التي يتيحها الإنترنت للباحثين. مع العلم أنه لا يحوي حتى الآن سوى نسبة ضئيلة جداً من الكتب وأنه يلغي العلاقة الحميمة بينه وبين القارئ، وأن عدداً كبيراً من الشباب إنْ لم أقل معظمهم، يجلس أمام شاشة الحاسوب أكثر من خمس ساعات، بينما لا يجلس مع كتاب خمس دقائق.
فهل فعلاً سيلغي الكتاب الإلكتروني رديفه الورقي؟ وفي ظل الهيمنة العنكبوتية نحافظ على الكتاب حتى لا يصبح مجرد متحف ورقي؟
إنّ نظرتنا إلى القراءة لن تتغير إلا إذا انتقلت من هواية إلى نهج حياة.
لقد أدركت الدراسات أن ما يُطبع باللغة العربية لا تتعدى نسبته الواحد بالألف ممّا يطبع باللغة الإسبانية، مما يوقعنا في الصراع الحقيقي، فهل نحن فعلاً أمام صراع ورقي ـــ إلكتروني، أم نحن أمام صراع ثقافي؟