العاملات الأجنبيات كثيرات في لبنان، تلقى معظمهن معاملة سيئة، يقمن بأعمال المنزل، وعليهن تُلقى مسؤولية الاهتمام بالأولاد. في المقابل، يكبر أطفالنا في كنف تلك العاملات، تجمعهم بهن علاقات حميمة، وفي الوقت عينه يشهدون على المعاملة السيئة والعنصرية المتفاقمة تجاه الآتيات من بلدان فقيرة... أي أفكار ستنشأ لدى صغار يترعرعون في أحضان العاملة الفاقدة لمعظم حقوقها الإنسانية؟
جيزيل خلف
تبدي أندريانا (4 أعوام) تعلقاً كبيراً بمولا الإثيوبية التي تبادلها الشعور نفسه. كانت مولا تمسك بيد إندريانا وتتجولان في باحة أحد المطاعم عندما سُئلت الطفلة مَن تحب أكثر، مولا أم ماما التي تراقبها من بعيد؟ حارت أندريانا لتجيب بعد تردد: «تنايناتن» ثم استدارت لتمسك رجل مولا وتخبئ وجهها.
ساندي دحروج ابنة العامين وجدت عند «أديس أبابا» اليد الأولى التي ساعدتها لتخطو خطواتها الأولى بأمان، وكان اسم «أديس أبابا» رغم صعوبته أولى الكلمات التي نطقت بها ساندي التي لا تلتقي أمها إلّا لساعات قليلة في اليوم. أما أديس أبابا فتلاعبها وتطعمها وتهتم بكل تفاصيل حياتها.
تانيا (4 أعوام) تربّت على يد «مسولا» كما تناديها هي، فاسم «مسعودة» صعبٌ على الطفلة الصغيرة. مسعودة تحب تانيا كثيراً، وهي ترى فيها روح طفليها اللذين ينتظرانها في سري لانكا التي غادرتها بحثاً عن لقمة العيش... تهتم مسعودة أيضاً بليو (10 أعوام)، لكنه يأبى أن تقترب منه، أو تجلس بجانبه أو أن تمسك الطعام، ويردد مستاءً : «بتمسك الإشيا وبتليها وسخ من إيدها السودا. أنا ما بحب رفقاتي يشوفو سريلانكية ببيتنا». وعندما يسُأل ليو عن رأي والديه بكلامه، يجيب بفخر: «ماما لا تقول لي شيئاً».
يحكي الصغير أيضاً عن «خادمة بلا اسم» تعمل لدى جيرانه، فهي تُنادى دائماً بلفظة «ولي»، الكل يصرخ في وجهها، وبعض أفراد العائلة يضربونها. «الخادمة المجهولة الاسم» موكول إليها أعمال المنزل، وترعى شؤون كل فرد فيه، وتهتم بالحديقة «تنكش وتنقل التراب وتسقي الورود...».
كيف نقوّم وضع العاملة الأجنبية وكيفية معاملتها؟ سؤال تجيب عنه الاختصاصية التربوية الدكتورة نجلاء بشّور، مقسِّمة الأسر التي تستفيد من خدمات العاملات الأجنبيات إلى فئات:
في الفئة الأولى يضع الأهل أولادهم بعهدة العاملة، ويعطونها «توكيلاً عاماً» لإدارة شؤونهم من الألف إلى الياء، وتشارك العاملة الأطفال أدق تفاصيل حياتهم. وتذكر بشّور بدراسة مصغرة أجريت في إحدى المدارس اللبنانية الرفيعة لمناسبة يوم التنوّع الثقافي، حيث وُضعت أعلام لبلدان متعددة، وطُلب من 23 طفلاً اختيار إحدى الدول التي يرغبون بالتحدث عنها، فجاءت النتيجة على الشكل الآتي: 11 طفلاً اختاروا الولايات المتحدة و 3 أطفال اختاروا فرنسا و 9 أطفال اختاروا الفيليبين، في حين لا أحد اختار لبنان، «ما يعكس الدور الكبير الذي تؤديه العاملات الأجنبيات في بيوتنا ليبلغ حدّ التنشئة الوطنية والاجتماعية بغض النظر عن المستوى التعليمي والثقافي للعاملة، في حين أن هذه الوظيفة هي من وظائف الأم الأساسية، فالأم التي تدرك أهمية خدمة المجتمع تشعر بضرورة تربية أبنائها وتنشئتهم، لأن تربية الأطفال هي وظيفة اجتماعية».
النوع الثاني من الأسر حسب بشّور، «يتعامل مع العاملة بطريقة سيئة لا تخلو من الاستعباد ونظرات الدونية، ما يخلق لدى الأطفال موقفاً غير أخلاقي من حقوق الآخرين أو التفاعل الإنساني بين الثقافات المختلفة».
في الفئة الثالثة نجد الأسر المتوازنة: «أهل يتمتعون بدور اجتماعي، متعلمون وعاملون»، في هذه الحالة يُطلب من العاملة الأجنبية المساعدة، ويقتصر دورها على إتمام الأمور البيتية الروتينية، فيما تبقى شؤون تربية الأولاد حكراً على الأهل. وشددت بشّور على «أهمية التفاصيل التي تؤمّن حميمية العلاقة بين الطفل ووالدته، فعليها تقع مهمة إطعامه وتنظيفه وتبديل ملابسه وسرد قصة له قبل النوم».
وتتحدث بشور عن الفئة «الأكثر سلبية»، حيث تُعطى للعاملة «الوكالة الكاملة لإدارة شؤون المنزل والأطفال، فيما تُعامَل معاملة سيئة، ما يطرح علامات استفهام عن المبادئ التي يكتسبها الطفل ونوعية التربية التي يحصل عليها». بشّور رأت «أن هناك مشكلة عدم وعي حقيقية لدى الأهل في هذه الحالة، فهم لا يقدِّرون ما يكتسب الطفل، ويستخفّون بقدراته، فهو يعيش ضَياعاً أخلاقياً وتنمو لديه المواقف العنصرية تجاه الآخرين. ولا ننسى أن ما يتعلمه الطفل في سن مبكرة يترك أثراً كبيراً على شخصيته ويطبع أخلاقه ومواقفه المستقبلية».
ولحظت بشّور أهميّة «تعرّف الطفل إلى الأهل بوصفهم نموذجاً للدور الاجتماعي، كدور المرأة وما هو متوقع منها ودور الرجل وما هو متوقع منه، أي ما يصدر عن الأهل على مرآى من عيون أطفالهم لينتج في ما بعد نموذج جديد للطفل ودور مختلف عما يُتوقع منه».


احترام... وتعاون

تشدد بشّور على أهميّة «تعرّف الطفل إلى الأهل بوصفهم نموذجاً للدور الاجتماعي»، أن يتعرف إلى دور المرأة وما هو متوقع منها، ودور الرجل وما هو متوقع منه. ولفتت إلى أن أسر الطبقة المخملية التي تولي اهتماماً كبيراً لمظهرها الاجتماعي تستعين بخادمة من دون حاجة حقيقية إليها. وتدعو بشّور إلى «الاعتراف بالدور التي تؤديه العاملة الأجنبية، حيث إن وجودها ضروري، وخاصة عندما تكون الأم عاملة، ولكن هذه العاملة يجب أن تبقى مُساعدة تعاون الأم في القضايا البيتية الروتينية ولا تأخذ مكانها، ويجب أن تُعامل باحترام وتقدير كبيرين». وشددت بشّور على «أهمية الوقت النوعي الذي تعطيه الأم، ولا سيما الأم العاملة التي تعجز العاملة الأجنبية عن إعطائه بسبب حاجز اللغة والاختلاف الثقافي وعدم أهليتها لذلك في أحيان كثيرة».