صور ــ آمال خليلهو صباح السنوية الثالثة لاختفائه. ففي مثل تاريخ اليوم، طلع الصباح دون خبر من محمد الذي خرج في العشية إلى البحر. أصبح اسمه الصياد المفقود محمد فران. لا السنوات الثلاث ولا عملية التبادل الأخيرة حلّت لغز اختفائه الذي لا يعلم به إلا العدو والبحر.
لا تظن أسرة عادل فران المثخنة بالمرض والفقر والفقد أن القدر سينصفها يوماً ما ويعيد ابنها سالماً بعدما افترسه العدو وكتم مصيره البحر. فمئات الصباحات مرّت بعد خروج الصياد الأخير من منزل ذويه في صور إلى الصيد بزورقه «الموهانا» قبالة الناقورة.
أمّلت الأسرة ألا تستعيد الذكرى الثالثة لاختفاء محمد (20 عاماً) على هذه الحال. ويُجمع أفرادها على تناسي مرحلة عملية التبادل الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل برمتها لأنها لم تسبب لها «سوى المزيد من الغموض والحسرة». ويقول والد محمد، إنه لم يتبلّغ من قيادة حزب الله بعد التبادل «أي معلومات عن ابني زيادة عما تم تداوله في الإعلام». فالتقرير الإسرائيلي الذي أرفق بصور للزورق المصاب «جاء مقتضباً، لكنه يقر بإطلاق البحرية الإسرائيلية النار عليه قبالة نهاريا» كما يقول. ويؤكد التقرير أن الزورق كان «فارغاً أثناء إطلاق النار عليه ومهاجمته وسحبه إلى الشاطئ». لكن الوالد قال إن «حزب الله أبلغني قبل شهرين أنه بصدد الطلب إلى قوات اليونيفيل البحث عن بقايا محمد في عرض البحر في منطقة عمل بحريتها».
وبغض النظر عن سبب هذا الوعد، الذي يبدو إنسانياً بدوافعه، تمر أيام الأسرة على حالها. الوالدة منزوية في حزنها الذي يترك آثاراً دامغة على جسدها وكليتيها خاصة. والوالد لا يعرف كيف سيتصرف. تقول الأم إنها تشعر بأنها انضمت إلى «نادي أمهات المفقودين المزمنين في لبنان»، ما يعني أن مهمتها أصبحت مقتصرة على «تعداد سنوات وسنوات من دون جدوى». أما الوالد، فقد أصبح بعد مرور كل هذا الوقت، أقرب إلى إعلان استشهاد ابنه «فلو كان حياً لكان رجع في التبادل ضمن الأسرى الأحياء أو الشهداء». وهو كان قد أعلن في حديث سابق لـ«لأخبار» أنه يرجّح موت ابنه في البحر إذا لم تعترف به إسرائيل في التبادل. ويظن الوالد أن الإسرائيليين بعدما وصلوا إلى الزورق ووجدوا ابنه «مستشهداً تخلصوا من جثته برميها في المياه وأثقلوها بحديد كي لا يلفظها البحر». وعدا عما ينبئه به قلبه، يستعين «والد الشهيد» بما قاله السيد حسن نصر الله في مطلع أيلول الفائت بأن «ما ورد من الإسرائيليين عن مصير محمد معلومات لا نستطيع أن نبني عليها نتيجة». وبموجبه، ترك السيد «لعائلته والموضوع الشرعي والقانوني ليحكم ويشخّص حالته».
إشارة إلى أن مصير قارب «الموهانا» علم بعد أربعة أيام من الاختفاء، حينما سلّمه الجيش الإسرائيلي إلى قوات الطوارئ بدون محمد الذي تأكّدت إصابته بالرصاص استناداً إلى آثار الدماء التي وجدت على الزورق. وكانت الأدلة الجنائية اللبنانية قد أكدت بعد الفحص أن الدماء عائدة «للشهيد محمد فران».


ماذا يقول الشرع؟

يطرح موضوع المفقودين مشكلة كبيرة بالنسبة إلى الأهالي. فكيف ستستمر الحياة من دون معرفة مصير المفقود؟ وهل يجب التصرف على أنه حي أم ميت؟ في حال محمد فران، ونظراً لأنه لم يكن متزوجاً ولا أولاد لديه، فإن موضوع الإرث أو وضع الزوجة العائلي لا يطرح، وخصوصاً أنه فقير. وفي ما يختص بهذا الجانب، يوضح الشيخ علي ياسين أنه «لا يمكن شرعاً توفية محمد فران في ظل انتفاء الدليل واليقين الحسي لوفاته». وتمثلاً بحالة تغييب «الإمام موسى الصدر لا تعلن الوفاة ولو انقضت سنوات طوال إلا في حال تجاوز عمر المفقود العمر الطبيعي للناس». يبقى الجانب الإنساني. فمعرفة الأهل بمصير مفقودهم، ضرورية لتمكينهم من حدادهم عليه.