بيار أبي صعبهكذا إذاً، ميلان كونديرا أيضاً كان عميلاً شيوعيّاً؟! محضر الشرطة رقم 624/1950 الذي يفيد بأن الطالب كونديرا بلّغ عن شخص مشبوه، نُشر أخيراً على موقع «معهد دراسات الأنظمة الشمولية». وثيقة بقيت منسيّة تحت ركام الملفّات في أحد مخافر براغ 58 عاماً، تظهَرُ فجأة لتكشف أن الأديب التشيكي الذي استقرّ في باريس منذ عام 1969... ارتكب في شبابه معصية فظيعة: الوشاية بأحد «زملائه». الكاتب المعروف بابتعاده عن الإعلام، كذّب شخصيّاً تلك المعلومات، وشكّك مؤرخون وكتّاب في صدقيّة الوثيقة وقيمتها الفعليّة. لكن من يوقف النار في الهشيم؟
بعد سقوط جدار برلين، وفتح «كهوف علي بابا» التي تضمّ أرشيف البوليس السرّي والشرطة السياسيّة، في عواصم المعسكر الاشتراكي سابقاً، شاعت تهم التعاون مع النظام وتقديم المعلومات وكتابة التقارير والوشاية على أنواعها... التي ألصقت بمثقفين ومبدعين صفّق لهم «العالم الحرّ» طويلاً، بينهم مثلاً الكاتب المسرحي الألماني هاينر مولر قبيل رحيله. تهم تبدو غالباً واهية، لا يستطيع أحد أن يجزم بصحتها وخلفياتها، أو بظروف ارتكاب تلك الأفعال التي باتت اليوم من أقبح الجرائم، وكانت في حينها فعل بطولة... أو في أقل تعديل من واجبات المناضل الصالح.
هل عاش كونديرا تحت وطأة تأنيب الضمير طوال هذه السنوات، كما يتهيّأ للصحافي التشيكي الذي كشف القضيّة في مجلّة «ريسبيكت»؟ هل هذه «الخطيئة الأصليّة» تفسّر انطواء صاحب «خفّة الكائن...»، وسلوكه طوال نصف قرن؟ بل تعطي أيضاً مفاتيح لإعادة قراءة أدبه المليء، بدءاً من «المزحة»، بالمخبرين والوشاة؟ مهما يكن من أمر، فإن قضاة كونديرا ينسون مسألة مهمّة. غونتر غراس واجه حملات عاتية قبل عامين، لأنه تأخّر في الاعتراف بخدمته في الجيش النازي. أما الطالب كونديرا فكان في الحادية والعشرين مؤمناً بالمثل الشيوعيّة، لم تصبه الخيبة بعد، حين بلّغ عن الجاسوس ميروسلاف دفوراتشيك الذي أرسلته الاستخبارات الألمانيّة الغربيّة لتنفيذ عمليّة خاصة في براغ. إذا كان كونديرا قد فعلها حقاً، فهو بطل لا خائن. إنّه البطل نفسه الذي ألقى لاحقاً الخطاب النقدي الشهير خلال مؤتمر «اتحاد كتاب تشيكوسلوفاكيا» (1967)... ثم اتخذ، خلال «ربيع براغ»، المواقف الشجاعة التي قادته إلى المنفى...