strong>علي محيي الدين *إنّ إقرار مجلس النواب لقانون الانتخابات النيابية، هو تكريس لتخلّف الدولة وضعفها وتسهيل الطريق أمام دعاة الكونفدرالية المذهبية. إنه إقرار للاستبداد والهيمنة والقهر. وقد تكرس هذا الواقع الأليم المستجد بسلطة جائرة مستبدة من خلال استباحة البلاد والعباد بكل المعايير. بهذا الإقرار، أُعلن بشكل فاضح تجاهل الدستور وتجاوز اتفاق الطائف، وسدّت جميع المنافذ أمام كل الآمال والأحلام لبناء الدولة. هذا هو فعلياً اتفاق الدوحة بترجمته العملية، وهذه هي الخطوات التنفيذية التي جرى الاتفاق عليها، وما الشعارات التي تضمنتها جميع خطابات الطبقة السياسية المتحكمة إلا تغافل عن حقوق الناس.
وما هو مدعاة للعجب مسرحية «المصالحات» التي تجري، وكأن الخلافات والصراعات على مدار 4 سنوات وما جرى في يومياتها، تدور بين الشعب اللبناني بجميع طوائفه ومذاهبه.
إن مجريات الأمور وآخرها قانون الانتخابات الذي تضافرت جهود الطبقة الحاكمة ووحدة مصالحها لتكريسه، تعطي الصورة الحقيقية بأنها عملت وتعمل لضمان مصالحها على حساب المسألة الوطنية ومستقبل الوطن.
وفي المقلب الآخر، لا يمكن إعفاء القوى الوطنية واللاطائفية والديموقراطية، وخاصة القوى العلمانية من مسؤولياتها عندما تخلّت فعلياً عن قيمها ومبادئها والتزاماتها أيضاً وأيضاً لمصلحة مَن يتحكّم في قراراتها، ولم توظف إمكاناتها في خدمة تطلّعاتها التي جسدتها عبر عقود في برامجها وأدائها، ونسيت ما أنجزته في كل المسارات لمقاومة المستعمر والمحتل في مواجهة هذه المخاطر والتحديات، ولا سيما أنها تملك تجربة رائدة في نموذج الحركة الوطنية اللبنانية وبرنامجها الإصلاحي الذي يبقى الأمثل في كل المعضلات الوطنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية...
والصورة الأوضح والأكثر تعبيراً، تبقى مستوى مشاركتها في هذا الاعتصام الهزيل في 27/9/2008 الذي نفّذ في ساحة رياض الصلح رفضاً لقانون الستين، ونصراً لاعتماد قانون انتخابي عصري يعتمد النسبية، ممّا يشير إلى عدم الجدية. وهذا المشهد كان لمصلحة هذه الجريمة النكراء بحق الوطن والقضية الوطنية حتى لو كان ذلك من غير قصد.
بعدما توضّحت الصورة، فإنّ جميع القوى الوطنية والديموقراطية والعلمانية مطالبة بتحمّل مسؤولياتها في إعادة تأسيس وحدة العمل المشترك لمواجهة تمادي الطبقة الحاكمة، وذلك من خلال مقاومة مدنية ديموقراطية انطلاقاً من خيار المقاومة الشاملة، وتمسكاً بالمسألة الوطنية بعمقها وبمكوّناتها وعنوانها: بناء الدولة المدنية العادلة والقادرة من خلال فرض تطبيق الدستور سقفاً لها ولمكوّناتها وترتكز على ضمانة حقوق المواطنة والانتماء الوطني، وصون الحريات، وحماية الآليات الديموقراطية، وبناء اقتصاد وطني لإنجاز الاستقلال وحماية السيادة لتتكامل مع المحيط العربي وتلتزم الصراع العربي ــ الإسرائيلي، وتنهي الاحتكارات، والسطو على المال العام، وتهدف إلى تحقيق فكرة العدالة بفصل السلطات، وتنخرط في تصحيح مؤسسات المجتمع المدني وفي مقدمتها النقابات.
وهذه المشاريع الطموحة تستدعي بطريقة واضحة صياغة الاستراتيجية الدفاعية، مع ما يرافقها من استراتيجية اقتصادية ــ اجتماعية، وتفعيل الآليات الديموقراطية بإنهاء كل أنواع الفوضى.والمسؤولية تستدعي الإسراع في الانتقال لإعادة بناء التيار الوطني العلماني الديموقراطي والتخلي عن الخطابات الرنانة التي تخلط جميع المفردات والجمل بعيداً عن ذهنية العمل المؤسساتي، وهذا يقتضي احترام الديموقراطية داخل المؤسسات السياسية على طريق إنشاء عمل وطني جامع يستهدف بناء حركة شعبية ديموقراطية وطنية حقيقية تسمح بتجاوز سلطة الطوائف والمذاهب لمصلحة الوطني والمواطن والعدالة.
* نقابي لبناني