محمد محسنفي منطقة برج البراجنة، يتحدّث كثيرون منذ فترة عن لحم من نوع مختلف، دون أن يعلِّقوا على سعره، أو حتى على طعمه. ويعود السبب في ذلك إلى غرابته بالنسبة إلى البيئة اللبنانية: فمعظم الناس يستغربون اليوم رؤية جملٍ معلّق في الملحمة. وفي الأغلب، سوف يظنّون أنه بقرة كبيرة، لأن لحم الجمال، الذي كان استهلاكه رائجاً في سبعينيات القرن الماضي، لم يعد كذلك اليوم. فقبل ثلاثين عاماً، كانت سكاكين جزّاري حي عين السكّة في برج البراجنة على موعد يومي مع ثلاثين جملاً يؤتى بها من بادية الشام في سوريا. كذلك كان الأمر في الجنوب أيضاً، إذ كان أهل تلك المنطقة على موعد مع لحم الجمل، كل يوم خميس في منطقة بنت جبيل وفي مواعيد أخرى في بعض القرى كـ«يونين وبدنايل» في البقاع.
لكن ازدهار الجمال في سوق اللحوم لم يدم طويلاً، فمع دخول الأطعمة الغربية، بدأ نفوذها يتراجع تدريجياً، إلى أن أصبح توافر لحم الجمال عادةً نادرة، تتمّ استعادتها خلال فترات زمنية معينة ومتباعدة نسبياً.
في برج البراجنة، توقّف الجزّار علي محمد الخليل منذ عامين عن ذبح الجمال التي كان يستوردها من سوريا، بعد صدور القانون السوري الذي يمنع تصدير الكائنات الحيّة، خارج الحدود السورية.
يتحسّر زبائنه على «أيام الجمل»، الذي كان لحمه من ضمن لائحة المأكولات المعتمدة، كما تروي أم محمد الحركة، التي تشرح كيف كانت تشويه أو تستخدمه لصنع «الكبّة».
يختلف طعم لحم الجمل عن غيره من اللحوم، إذ إنّ فيه «شلش حموضة» كما يقول متذوّقوه، كما أنّه خفيف على المعدة «بتاكل منّو وما بتشبع».
لا يبقى الجمل في الملحمة لأكثر من ساعة بعد أن يعلّقه الجزّار، إذ إن الطلب عليه يرتفع بمجرّد توافره، والسبب هو ندرته في هذه الأيام، ما جعل الزبائن يلجأون إلى مبدأ «التوصاية».
يؤكد أبو محمد أنّ «الدهن الموجود في لحم الجمل، هو أقل من ذلك الموجود في اللحوم الأخرى، والسبب يعود إلى تجمّع الدهون في سنامه، أي حدبته التّي تتكوّن من دهون متراكمة. في المقابل، يحتوي لحم أنثاه، الناقة، على الكثير من الدهون، ما يجعلنا في لبنان نمتنع عن ذبحها رغم أنها تُستهلك في بلدان الخليج».
تتوسّع الهوة في الأسعار بين لحم الجمل ولحم البقر: فهو أغلى بكثير، يكاد ثمن الكيلو منه يوازي ثمن الكيلو من لحم النعام، بينما يذكر أنه وصل إلى خمسة وعشرين ألف ليرة، عندما كان «كيلو البقر» بثلاثة عشر ألفاً فقط.
يعتمد لحم الجمال في مناسبات اجتماعية ودينية عديدة حيث يوزّع، كما تقضي العادة الشعبية، على الفقراء. كذلك يتناول البعض معلاقه، فهو، كما يؤكدون: يشبه معلاق البقرة، وكبده «بيقرقش مثل الخيار».