البيئة العربية: تحديات المستقبل» هو التقرير السنوي الأول الذي يصدر عن المنتدى العربي للبيئة (أفد). يجمع التقرير بين المحتوى التقليدي للتقارير عن وضع البيئة، وإجراء تقويم ذي أساس علمي يركّز على أبرز القضايا والتحديات البيئية في المنطقة العربية. ويمثّل التقرير المادة الأساسية للنقاش داخل المؤتمر الأول لـ(أفد) الذي يختتم أعماله اليوم في العاصمة البحرينية المنامة
المنامة ــ بسام القنطار
إنه التقرير السنوي الأول للمنتدى العربي للبيئة والتنمية الذي انطلق في حزيران 2006 منظمةً إقليميةً غير حكومية، بمبادرة من مجلة «البيئة والتنمية» في بيروت. ولأنه التقرير الأول، فقد حرص محرراه، نجيب صعب ومصطفى كمال طلبه، على أن يتضمن نتائج أحدث البحوث العلمية والأرقام المستقاة من أنظمة المراقبة والرصد. وقد تعاون المحرران مع 16 خبيراً وباحثاً عربياً، عالجوا 18 موضوعاً أساسياً شملت مختلف القضايا البيئية والتنموية، كنوعية الهواء والمياه والنفايات والتنوع البيولوجي والتصحر والأمن الغذائي، إضافة إلى تأثيرات الإعلام والتربية والتمويل والتشريع والحروب وتغير المناخ على استدامة الموارد البيئية.
أسئلة خمسة يطرحها التقرير ويسعى إلى الإجابة عنها. كيف تتغير الأحوال البيئية في العالم العربي؟ ما أسباب التدهور البيئي، وما علاقته بالنشاطات الإنسانية والضغوط الأخرى؟ لماذا قضية البيئة قضية مهمة للمنطقة العربية؟ ما الذي ينبغي عمله للمعالجة، وكيف يستجيب المجتمع للتحدي، عبر المبادرات الحكومية والعامة والخاصة؟ وهل يكفي ما يُتخذ من إجراءات لإيقاف هذا الهدر للرأسمال البيئي وتدمير الأنظمة الطبيعية بلا حدود؟
ورغم زعم التقرير أنه «سعى ليكون مستقلاً يعكس اتجاهات المجتمع المدني وآراءه»، إلا أن إسهام صندوق أوبك للتنمية الدولية بدعم إعداده، يطرح علامات استفهام حقيقية عن أسباب تجنبه مقاربة مواقف الدول العربية الأعضاء في هذه المنظمة الدولية من الاعتماد على الطاقة المتجددة بديلاً من النفط الذي يسبب انبعاثات الغازات الدفيئة، المساهمة الرئيسية في تغير المناخ.
ولقد حظي لبنان بحيز واسع من التقرير. حيث يشير الفصل المتعلق بموارد المياه الذي أعده الباحث في الجامعة الأميركية في بيروت، موسى نعمة، إلى أن لبنان ومصر والسودان والعراق وسوريا، من الدول التي لن تعاني ضغطاً حاداً على المياه بحلول سنة 2025، كما هو متوقع بالنسبة إلى باقي الدول العربية التي هبط فيها معدل المياه المتوافرة سنوياً للفرد الواحد إلى 977 متراً مكعباً عام 2001، أي إلى أدنى من تعريف الأمم المتحدة لخط الفقر المائي.
أما الفصل المتعلق بنوعية الهواء الذي أعده الباحث في الجامعة الأميركية في بيروت فريد شعبان، فيشير إلى أن لبنان يحتل المرتبة الأولى في معدل امتلاك السيارات، مع 434 سيارة لكل 1000 مواطن، متقدماً بذلك على قطر والكويت والسعودية والبحرين، وذلك بسبب الغلو في الاعتماد على النقل البري الشخصي. ويشير التقرير إلى أن لبنان هو من البلدان التي لا تُراقب فيها مستويات تلوث الهواء كفاية ومنهجياً. وقد سجلت المراقبة مستويات انبعاثات في المدن تجاوزت أحياناً الحدود التي نصت عليها القوانين البيئية اللبنانية، بما يتراوح بين ستة إلى ثمانية أضعاف. وجُمعت نتائج مماثلة في مصر وسوريا.
وينبه التقرير في الفصل المتعلق بالأسمدة والمبيدات والسلامة الغذائية الذي أعده الباحث اللبناني عصام بشور إلى أن المنطقة العربية تعج بالسلع القائمة على منتجات معدلة وراثياً مثل الذرة والرز الطويل وفول الصويا وزيت الطهو. وهي مواد تُستورد وتتوافر من دون الإعلان عنها أو وضع ملصقات تحذيرية عليها تبين محتوياتها. ويظهر التقرير أن المبيدات والأسمدة تُستعمل على نطاق واسع، ويُساء استعمالها في كثير من الحالات. وقد تضاعف استعمال أسمدة NPK في لبنان أربع مرات بين عامي 1970 و2002، حيث بلغ 414 كيلوغراماً من الأسمدة لكل هكتار. وهي من النسب العالية في العالم، لكنها أقل من الإمارات (1166 كيلوغراماً) ومصر (906 كيلوغرامات).
ويولي التقرير فصلاً مستقلاً عن البحوث البيئية العلمية. ويبيّن أستاذ الهندسة الكيميائية في جامعة القاهرة، أحمد جابر، أن معدل الإنفاق على الأبحاث العلمية بنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي منخفض إلى أبعد الحدود في المنطقة العربية، أي نحو 0,2 في المئة. والمعدل العالمي هو 1,4 في المئة. ويحتل لبنان المرتبة الثانية بعد مصر لجهة ما يسمى «هجرة الأدمغة»، أي الأعداد الكبيرة من الباحثين الذين يهاجرون بحثاً عن أوضاع أفضل لإعداد بحوثهم، على سبيل المثال. ويظهر التقرير أن هناك 12,500 باحث مصري و11,500 باحث لبناني يعملون في الولايات المتحدة عام 2000.
ويقترح الفصل المتعلق بالآثار البيئية للحروب الذي أعده الباحث العراقي حسن برتو، إنشاء صندوق عربي لمساعدة البلدان في التعامل مع أسباب النزاع ذات الجذور البيئية. كذلك يوصي بمزيد من التعاون الإقليمي والدولي من أجل توفير القدرة على الإنذار المبكر وتقويم الروابط بين النزاع والبيئة. ويوصي بتحليل علمي وعميق لتأثير الرؤوس الحربية المصنوعة من اليورانيوم المستنفد (DU) والألغام.
ويدعو التقرير في الملخَّص الختامي إلى ضرورة عدم تجاهل التحديات البيئية الحالية الملحة، في ممارسة يصفها بأنها «هروب إلى الأمام». ويطالب باستراتيجيات لإدارة متكاملة للبيئة، وضرورة تكامل الخطط القصيرة الأجل والطويلة الأجل لحل المشاكل حاضراً ومستقبلاً.