محمد مكيفي المنزل أراه، وبين الزوايا أسمع صوته، وفي الأسواق ألتقيه، وعند الجامعات ألتفت لخطاباته وآرائه، وعلى التلفاز لا يخفى بمظهره وطلعته، فهو في كل مكان، وعند أي لقاء اجتاح الشرق اجتياحاً مدوياً، فبات كلّ شرقي شرقياً ذا حلة غربية. هذا صنيع الحضارة الغربية القائمة على طمس القيمة والدين وإعلاء العلم والتحرر بفصل الدين عن السلطة. لقد أتى هذا الشرقي الجديد ليطيح القيم ويستبدلها بالعلم والتحرّر، فأدخل المفاهيم المستحدثة المتخفّية وراء النظام المحروس من القانون، وألغى القيم المصنوعة من الأديان والمحروسة من الضمير، فمات بذلك الحق وولدت المفسدة المنظمة والحريات الجديدة والحقوق المتطورة، وعمت الفوضى واستبدلت محاسبة النفوس بمحاسبة الأجساد وارتفعت رايات العلم، وأجيب عن الأسئلة كلها حتى التي سألت عن أسباب التدهور والفساد، فكان العلم لها جواباً.
جاء الشرقي الجديد بحلة غربية مصطنعة، فنشر ما أنتجه الغرب من خلال أفعال وتصرفات، سرعان ما ألحقت به الهزائم والمشاكل، فلو أنه حمل الكيفيات وحصّل النتائج لما هزم بسرعة فائقة.
لقد خدع الشرقي الجديد بألوان الغرب الزاهية، ووجد طريقاً ليخرج من سجن الدين، فساعده بذلك جهله الكبير بأهمية الدين، فوقع على وجهه وها هو اليوم يتخبط مع إخوته، فيما سبقه الغرب آلاف الفراسخ وأمسى اللحاق بركبه شبه مستحيل.
والسبيل واضح وضوح الشمس. فلن يسبق الشرقي أي غربي إلا إذا فهم أهمية الدين الذي يفقده الغربي ويحتاج إليه، فالدين وحده قادر على أن يجعله محاسباً لنفسه أولاً، قبل أن يحاسبه الآخرون، وبالدين تعود القيم وتُنفى المصالح الشخصية، لذا كان أول ما حورب به الدين بأن فُصل عن السلطة وجعل شعائر وممارسات، وترك الباب مفتوحاً أمام الناس للتصرف كما يشاؤون، مستندين إلى قوانين لا تأتي إلا بخير مصالحهم، ناسفة ما للجماعة من مصالح هي أولى من مصالحهم الشخصية.
وللعلم نصيب أيضاً. فالدين أخو العلم وبه ترتقي الأمم وتتطور ما دام لخدمة الناس كافة، فكيف إن اجتمع الدين مع العلم وتلاحما ثم بدآ مسيرة الخير للبشرية جمعاء! هيا انزع أيها الشرقي الجديد حلة الغرب وانسج حلتك الشرقية بخيوط القيمة والدين، وزيّنها بالعلم والإبداع، فأنا أصبحت أراه من بعيد... ذاك الغربي ذا حلة شرقية.