خالد صاغيةبعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وخروج الجيش السوري من لبنان، بدا أنّ لبناناً جديداً يلوح في الأفق. لبنان متحرّر من الوصاية السوريّة، ومستعدّ للقيام بدور النموذج المطلوب للمشروع الأميركي في المنطقة. يودّع لبنان مقاومته، والمحور الممانع، ويعود إلى ديموقراطيّة مارسها على طريقته، لكن بعد وسمها هذه المرّة باللوغو الأميركي. فشلت المحاولة. لبنان الجديد تعثّرت ولادته. تبيّن أنّ الانتقال من ضفّة إلى أخرى ليس بالسهل عملياً، ولا بالشرعي شعبياً. تبيّن أنّ نشر الديموقراطيّة الأميركيّة ليس عملاً ديموقراطيّاً في لبنان.
بعد حرب تمّوز 2006، وفشل الاجتياح الإسرائيلي في تدمير بنية حزب الله، بدا أنّ لبناناً جديداً يلوح في الأفق. لبنان منتصر على التدخّلات الغربيّة. لبنان «الدولة العظمى» في المنطقة، كما قال الأمين العام لحزب الله في مهرجان النصر، والذي تمتلك فيه المقاومة وحلفاؤها الصوت الأعلى والقدرة الأكبر على التأثير في المجريات الداخليّة. فشلت المحاولة. لبنان الجديد تعثّرت ولادته. تبيّن أنّ الانتصار على إسرائيل لا يلغي مفاعيل انتفاضة الاستقلال، والتوازنات الطائفيّة لا يمكن تخطّيها عبر حروب خارجيّة.
الفريقان لم يعترفا بتعثّر ولادة لبنانهما. بالغ الفريق الأوّل بتقدير الدعم الخارجي، وبالغ الفريق الثاني في استخدام عضلاته. جاء اتفاق الدوحة ليعلن تعليق الحياة السياسيّة حتّى موعد الانتخابات النيابيّة. لكنّ بنود الاتفاق نفسه، وشكل القانون الانتخابي الذي اقترحته، تعلّق الحياة السياسيّة، في الواقع، إلى أجل غير مسمّى. وقد بدأت استطلاعات الرأي بالتأكيد على أنّ نتائج الانتخابات لن تتمخّض إلا عن فوز ضئيل لأحد الفريقين، ما يعني استمرار الاستقطاب السياسي الحالي.
من هنا تأتي أهمية اللقاء الذي جمع السيد حسن نصر الله والنائب سعد الدين الحريري. والحوار بينهما عليه أن ينتقل مباشرة للحديث عن لبنان ما بعد الانتخابات، لبنان الجديد الذي لم يحسن أيّ فريق أن يبنيه بمفرده. يتطلّب ذلك طبعاً أكثر من المصارحة. يتطلّب أوّلاً اعترافاً بالأخطاء وبالمتغيّرات السياسية الداخلية والإقليمية التي تمنع ما يصرّ الطرفان على تأكيده: الحفاظ على الثوابت. إنّ ثوابت الفريقين هي بالضبط ما يجب أن يتبدّل.