خالد سليمان *إذا كان الدستور اللبناني قد أقرّ في مادّته السابعة مبدأ المساواة بين اللبنانيين في الحقوق والواجبات من دون تمييز، فإنّ بعض القوانين قد وضعت استثناءات على هذا المبدأ، وخصوصاً الأشخاص الذين حصلوا على الجنسية اللبنانية عبر التجنّس، لا بل إنّ قانوناً خاصاً صدر زمن الانتداب الفرنسي (7 حزيران 1937) أي بعد نحو 12 سنة على صدور قانون الجنسية اللبنانية (القرار 15 تاريخ 19 كانون الثاني 1925) نص على أنّ «الأجنبي الذي يكون قد اكتسب الجنسية اللبنانية بطريقة التجنس لا يمكنه أن يتولى وظيفة عامة أو وظيفة ذات راتب مدفوع من الحكومة أو من إدارة عامة أو من شركة امتياز قبل مرور عشر سنوات على تاريخ تجنسه»، من دون التطرق إلى حقوق المجنس السياسية، وأهمها حقه في الاقتراع والترشح إلى الانتخابات النيابية، تاركة الأمر إلى قوانين الانتخاب التي وضعت شروطاً تتعلق بأهلية الاقتراع والترشح. وهنا نجد من الفائدة تسليط الضوء عليها، لا سيما بعد توافق الأفرقاء اللبنانيين في اتفاق الدوحة (البند الثالث) على قانون الانتخاب لعام 1960 (القضاء) ليكون القانون الانتخابي الذي يحكم العملية الانتخابية الربيع المقبل مع إدخال الإصلاحات الواردة في اقتراح الهيئة الوطنية الخاصة بقانون الانتخابات النيابية المعروفة بـ«لجنة فؤاد بطرس» التي كان وزير الداخلية الحالي زياد بارود أحد أعضائها.
من مراجعة قوانين الانتخاب زمن الانتداب الفرنسي، نجد أنّ المبدأ الذي كان سارياً هو جواز الترشح إلى المجلس النيابي لكل شخص من أبناء الجمهورية اللبنانية يكون حاصلاً على حق الانتخاب وبالغاً من العمر 25 سنة كاملة ومتمتّعاً بجميع الحقوق المدنية والسياسية وعارفاً القراءة والكتابة (المادة السابعة من القرار عدد 2 الصادر عن المفوض السامي الفرنسي دو مارتيل في عام 1934).
في قانون الانتخاب لعام 1950 نصت المادة السادسة منه على عدم جواز انتخاب المجنس إلى المجلس النيابي إلا بعد انقضاء خمس سنوات على تجنسه، لترتفع هذه المدة إلى عشر سنوات في قوانين الانتخابات النيابية اللاحقة (أعوام 52، 60 و2000). نجد أنّ هذه القوانين وضعت شرطاً مانعاً على المتجنس للترشح إلى المجلس النيابي وبالصياغة ذاتها وهو مرور فترة من الزمن على اكتسابه الجنسية اللبنانية.
أمّا حق المجنَّس في الاقتراع فبقي من دون قيود لهذه الناحية. وعلّة منع المتجنس من الترشح إلى المجلس النيابي إلا بعد مرور فترة زمنية على اكتسابه الجنسية اللبنانية (5 أو 10 سنوات)، هي في ضرورة اندماجه في المجتمع الذي سيحمل لواء الدفاع عن مصالحه ومصالح الأمة التي يمثلها. لكن أليس النائب في لبنان يمثل الأمة جمعاء (المادة 27 من الدستور)؟
أما مشروع فؤاد بطرس، فنصّت مادته الثالثة الواردة تحت عنوان الفصل الأول في من يجوز له أن يكون ناخباً أو مرشحاً على أنه «لا يجوز للمتجنس أن يقترع إلا بعد انقضاء 4 سنوات على صدور مرسوم تجنيسه» لتضيف المادة السادسة من المشروع عينه قيداً آخر على المتجنس إلى عضوية مجلس النواب أكثر تشدداً، وهو مرور عشر سنوات على صدور مرسوم تجنيسه.
وقد أثارت المادتان السابقتان جدلاً في لجنة الإدارة والعدل النيابية في الجلسة التي عقدت يوم الاثنين 7 تموز الماضي، بحضور المحامي بارود بصفته ممثلاً عن لجنة بطرس قبل توليه وزارة الداخلية لاحقاً.
أوصت اللجنة النيابية وزارة الداخلية بوجوب تنفيذ قرار مجلس شورى الدولة الصادر في أيار 2003 والقاضي بإعادة النظر بمرسوم التجنيس، وذلك للرجوع عن القرارات التي منحت الجنسية اللبنانية لأشخاص من دون وجه حق أو التي تُعدّ مخالفة للدستور أو القانون.
تجدر الإشارة إلى أنّ مرسوم التجنيس الشهير صدر في عام 1994، أي قبل نحو 15 عاماً من موعد إجراء الانتخابات المقبلة، وأن المجنسين شاركوا اقتراعاً في ثلاث دورات انتخابات عادية (96ـــ2000ـــ2005) وانتخابات فرعية نتيجة طعون دستورية (97ـــ2002) أو لملء المراكز الشاغرة بالوفاة، ممّا يطرح أسئلة عن شرعية الانتخابات التي اقترع فيها المجنسون قبل صدور قرار الشورى وبعده وأحقيتهم في الترشح إلى البرلمان وما أثر التوصية النيابية إلى وزارة الداخلية بنزع الجنسية عن غير مستحقيها، وما أثر قرار مجلس شورى الدولة على مرسوم التجنيس ذاته؟
من مراجعة الطعون الانتخابية المقدمة إلى المجلس الدستوري للطعن بالانتخابات النيابية لعامي 96 و2000 (لأنّ المجلس لم يتشكل بعد انتخابات عام 2005) نجد أنها بنيت على أسباب قانونية وغيرها من الأسباب من دون أن يُطعن بها لعلة أن المجنسين شاركوا فيها سوى ما يقال سياسياً بهذا الخصوص ومن باب الاتهامات السياسية وللتوظيف الانتخابي لا أكثر، كما لم يتقدم (وفق علمنا) أي من المجنسين إلى الانتخابات النيابية في عام 2005 ليصار إلى الطعن بأهليته للترشح، لا سيما أنّ القانون الانتخابي لعام 2005 (القانون نفسه لانتخابات 2000) أباح للمتجنس بعد مرور عشر سنوات على تجنسه الترشح إلى عضوية المجلس النيابي (المادة السادسة). بيد أنّ عبارة «لبناني منذ أكثر من عشر سنوات» لم تكن قد وضعت بعد على بيانات القيد العائدة للمجنسين عشية انتخابات عام 2005، مما حرم البعض من الترشح إلى الانتخابات كما شطبت أسماء الذين ستنزع عنهم الجنسية تنفيذاً لقرار الشورى من لوائح الناخبين، ولم يتسنّ لهم ممارسة حق الاقتراع.
قضائياً استقر اجتهاد محكمة التمييز اللبنانية في غرفتها المدنية في أكثر من قرار على القول إن «إحالة ملفات المجنسين إلى وزارة الداخلية لا توقف مفاعيل التجنيس» الذي لم يبطل بقرار مجلس شورى الدولة. كما أنّ هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل أفتت بناءً على طلب مقدم إليها من رئاسة مجلس الوزراء في عام 2005 بأن «مرسوم التجنيس شأنه في ذلك شأن مطلق قرار إداري فردي منشأ للحقوق يبقى قائماً وقابلاً لإنتاج مفاعيله القانونية ما دام لم يلغ أو يسترد إدارياً أو يبطل قضائياً».
* محام