بسام القنطاريشهد لبنان خلال شهر رمضان المبارك تنافساً وتسابقاً إعلامياً بين العديد من الجمعيات الخيرية، طمعاً بكسب المزيد من المتبرّعين، علماً أن العالم «الخيري» يشبه العالم التجاري حيث الأسماك الكبيرة تأكل الصغيرة.
وتنتظر الجمعيات الخيرية قدوم الشهر الكريم كفرصة موسمية لتكثيف حملة جمع التبرعات. فتنتشر اللوحات الإعلانية والمنصات الترويجية على جوانب الطرقات. وفي جولة على العاصمة بيروت تطغى الحملة الإعلامية «لمؤسسات الرعاية الاجتماعية» على غيرها من الجمعيات. ويعود هذا الضعف في «الاستثمار الرمضاني» إلى التوقعات «بشحّ كبير» في قابلية التبرع عند جمهور المؤمنين.
ويشير الباحث المختص في العمل الأهلي عمر طرابلسي إلى «أن حملات جمع التبرعات في لبنان خلال شهر رمضان لا تزال تعتمد الطرق التقليدية. ليس بسبب افتقار الجمعيات إلى التقنيات الحديثة كفتح باب التبرعات عبر الإنترنت، بل لعدم وجود «جهوزية إلكترونية» لدى الجمهور المستهدف». ويضيف: «لذلك نجد العديد من «ستاندات» التبرّع المنتشرة في الطرقات، وخصوصاً قرب أماكن العبادة التي تعتمد أسلوب التخاطب المباشر مع المتبرّعين، إضافة إلى الاتصالات الهاتفية وزيارات المنازل وغيرها من الأنشطة».
ويبلغ عدد الجمعيات المسجلة لدى وزارة الداخلية والبلديات حوالى خمسة آلاف جمعية. وتُظهر دراسة أعدّت عام 2000 أن سبعمئة جمعية تقريباً تعمل بشكل منتظم. وغالبية هذه الجمعيات المنتظمة تعتمد على جمع التبرعات أو على المشاريع التي تموّلها الجهات الدولية المانحة.
وتتعدد دوافع المتبرع تجاه الجمعية التي ينوي التبرع لها باختلاف أنشطتها وخلفيتها السياسية والطائفية. وبحسب طرابلسي «فإن الدافع الرئيسي والمحرك للتبرعات، وخصوصاً خلال شهر رمضان هو الانتماء المذهبي، بحيث إننا نادراً ما نجد شيعياً يتبرع لمؤسسة ذات طابع سني أو العكس».
وعلى عكس ما يظن البعض، تنسّق جداول مواعيد الإفطار الرمضانية وفق تفاهم مسبّق بين الجمعيات الكبرى. فهذه الأخيرة تدعو غالباً كبار الشخصيات السياسية إلى إفطاراتها. لكن المشكلة تكمن في الجمعيات الصغيرة الموجودة ضمن الأحياء في المدن الكبرى، أو الجمعيات القروية. وغالباً ما تجهد هذه الجمعيات إلى حجز مساحة خاصة لها ضمن جدول يمتد على مدار 30 يوماً حافلة بعشرات الإفطارات والدعوات التي يصعب على المتبرعين المفترضين من سياسيين ورجال أعمال ووجهاء تلبيتها.
وتقول نائبة المدير العام لـ«مؤسسات الرعاية الاجتماعية» وفاء البابا إن «دار الأيتام الإسلامية» كانت «أول من نظّم حفل إفطار رمضانياً في أربعينات القرن الماضي. وكان شكل الإفطار يختلف عن اليوم، حيث يجلس كل متبرع إلى جانب يتيم في الدار فيتشاركان مائدة الرحمن».
وتشير البابا إلى أن الحملة الإعلانية في شهر رمضان تهدف إلى توجيه تحية إلى كل الذين أسهموا بالتبرع للمؤسسات على مدار العام. كما تلفت إلى أن مؤسسات الرعاية تطمح إلى أن تؤمّن ثلث موازنتها السنوية من خلال إيرادات شهر رمضان، علماً أن «المؤسسات» تضم 52 مؤسسة عاملة في مختلف المناطق اللبنانية. علماً أن موازنة بعض الجمعيات الخيرية تفوق موازنة «وزارة الشؤون الاجتماعية» السنوية.
وأشارت البابا إلى أن شعار الحملة لهذا العام «هَلّ هلالكْ شهر مبارك» وهو يعبّر عن الفرح والسعادة بقدوم الشهر الفضيل. ونوّهت البابا بأن المؤسسة لم تغب في السابق عن طرح شعارات وطنية، وخصوصاً خلال سنوات الحرب الأهلية حيث طرحت شعار «نسألك يا رحمن الأمن والأمان».
وصمّمت اللوحات الإعلانية والمنصات المنتشرة في الزوايا والطرقات على شكل دورة القمر الشهرية التي تنتقل من الهلال إلى البدر لتعود إلى الهلال مجدّداً في تصوير للأيام الثلاثين للشهر وضرورة تذكّر الأيتام طيلة هذه الفترة والتفكير في أحوالهم وأوضاعهم.
وفي خروج عن التقليد السنوي، لم تقم «المؤسسات» بإطلاق أغنية خاصة بشهر رمضان هذا العام. وتعلّل البابا هذا الأمر بالإشارة إلى أن رصيد المؤسسة في هذا الأمر كبير. وهي سوف تركّز على أغنيات أنتجتها خلال السنوات الماضية ومنها أغنية «يا بلدنا» من كلمات عبيدو باشا وألحان خالد الهبر وإنشاد أبناء «دار الأيتام الإسلامية».