مع حلول شهر رمضان، يزداد الطلب على الشباب «الحركين اللي بيلبّوا». يتهافت العاطلون من العمل على المطاعم والمقاهي طلباً للرزق من جهة، والمتعة من جهة أخرى. تبتهج نفوسهم «ليوميّة» غالباً ما تكون «مبحبحة»، مقارنة بساعات العمل، ويسهرون في «البلد» دون دفع ما لا يملكون ثمنه
فاتن الحاج
الاستعدادات على قدم وساق في مقهى «باب السراي» في صيدا. يضع «أبو سلوم»، صاحب المقهى، لمساته الأخيرة بانتظار شهر يراهن عليه كثيراً. كل شيء بات جاهزاً: الزينة، اللافتات، الكراسي، عدّة المشاريب و..الشباب.
و«الشباب»، أو «وظاويظ الليل» كما يسمّيهم، هم من «عدّة» رمضان. وهم ليسوا شباباً محدّدين، لكنهم كل من كان بلا عمل عند حلول الشهر الكريم. «فالرزقة منيحة والشباب بدُّن يستفيدوا».
ولقب «الوظاويظ» هو لقب للتحبّب. فالشبّان، الذين تراوح أعمارهم بين 15 و21 عاماً، لا ينتظرون الشهر فقط من أجل عمل مدفوع، بل أيضاً للمتعة. ومتعة الشهر قد تكون في الاندفاع إلى المساعدة حتى من دون أجر. لكن «تأثيراتها الجانبية» إتاحة السهر أمامهم من دون أن يدفعوا ما لا يملكون ثمناً له.
يتهافت الشبان لعرض خدماتهم على المطاعم والمقاهي، «بهيدا الشهر وين ما بيروحوا بيلاقوا شغل»، يقول «أبو سلوم». لا بل إنهم لا يتردّدون أحياناً في «فرض أنفسهم» بطيبة أهل البلد، على أصحاب المصالح. «عمول حسابك أنا بكرا عندك» قد يقول أحدهم لمالك مقهى.
لا يخفي الشبان ارتياحهم لظروف العمل في هذا الشهر، فيتصرّفون بواقعية تنمّ عن وعي ملحوظ. «اليوميّة مبحبحة» بالنسبة إلى بهاء (17 عاماً) الذي ترك مصلحته (دهان موبيليا) والتحق بأحد المقاهي، للعمل في تأمين «النارة» (للنرجيلة). هو يتقاضى 20 ألف ليرة مقابل 4 ساعات عمل.
لكن ماذا عن المصلحة الأساسية؟ «ما في مشكلة برجعلها بعد رمضان، أنا أُتقن شغلي وأي معلم يتمنّى عليّ»، يؤكد بثقة.
من جهته، يتابع محمد علي (17 عاماً) دراسته بصعوبة. بات المراهق ينتظر رمضان لبيع الخُضر نهاراً والعمل في المطعم ليلاً. يروي كيف يذهب إلى «الحسبة» لشراء البقول المطلوبة في هذا الشهر ومعاودة بيعها على بسطة. يبدو محمد عارفاً بخفايا السوق فيفاوض البائعين للحصول على الأفضل. يقول «تعلمت هالمصلحة من ولاد عمي وأشتغلها برمضان لأنّها ما بتخسّر بهالشهر وما في بضاعة بتبيت».
يشرح ظروف البيع: «أول أسبوع بيكون الشغل متل النار. بالأسبوعين التاليين يخف، وفي آخر أسبوع بيوّلع وبتظبط الغلة. وبتصير اليوميّة توصل للأربعين ألف (ليرة)».
أما عمر (16 عاماً) الذي يعمل مع والده في المسمكة، فيلتحق في الأسبوعين الأخيرين بأحد محالّ الألبسة التي تفتح ليل نهار بانتظار العيد. «بتسلّى وبطلّع مصروفي»، كما يقول.
وللشبان أسبابهم للإفادة والمتعة في رمضان. إذ يجد العاطلون من العمل فرصة آنية تمسح عنهم الأسى. وإلى جانب العمل في المحالّ التجارية، تستعين البلديات بهم لتنظيف الشوارع بعد ليالي المقاهي الرمضانية.
على بعد عشرات الأمتار من ساحة باب السرايا في «البلد»، يقع مطعم «ذوات». المطعم يستقبل، كما يتمنّى اسمه، طبقة معيّنة. واستطراداً، يشترط المحل مواصفات على «عمال الإكسترا»، أي الموسميّين، لا تتوافر على ما يبدو في «الوظاويظ». «على الشاب أن يكون تلميذ فندقية أو يمتلك على الأقل خبرة قليلة» يقول جمال سخنيني مدير المكان، ويعدد المواصفات «حسّ المسؤولية، حسن المظهر والهندام، التهذيب في التعاطي مع الزبائن وزملائه». ولكن، ما هي اللذة الباقية للوظاويظ إذا كان العمل «معقماً» إلى هذه الدرجة؟ ربما كانت الإجابة عن هذا السؤال السبب خلف عزوف «الوظاويظ» عن «الوظوظة» عند «الذوات».