طرابلس ــ عبد الكافي الصمدمع أن أغلب أهالي الشمال درجوا على مدّ أرجلهم على قدر بساطهم، كما يقول المثل، إلا أنهم اضطروا هذا العام إلى الصرف «على قدر ساعات التقنين الكهربائي» لتلافي رمي المشتريات، الغذائية، وخصوصاً في ظل التقنين القاسي للتيار. «أشتري حاجة العائلة يوماً بيوم»، يقول بسام حيدر الموظف في إحدى المؤسسات التجارية في «منطقة التل». فالتيار «ينقطع أكتر مما بيجي»، ما يدفعه مضطراً إلى شراء النذر اليسير من الأجبان والألبان واللحوم تحديداً. فهذه الأخيرة «لا تتحمل انقطاع الكهرباء 10 ساعات في اليوم»، لأنها تفسد وهذا حرام».
إلا أن مشكلة حيدر تبقى «فردية»، مقارنة بالأزمة التي يعانيها أصحاب محال السمانة. فانقطاع التيار عنهم لوقت طويل، يعني ببساطة، أن كل ما هو موجود في براداتهم «مصيره الزبالة»، وفق قول أيمن ضناوي صاحب أحد هذه المحال في محلة «محرّم» الشعبية. يضيف البائع: «لا مجال إلا بالاشتراك بالمولدات الخاصة، أو شراء مولد خاص، لأن الخسائر ستكون كبيرة».
وإذ يشير ضناوي إلى أن أغلب شركات بيع الأجبان والألبان، وتقديراً منها للظروف «تساير الزبائن، فتستبدل علب اللبنة والجبنة التي تحمّض بأخرى جديدة»، فإنه لفت إلى أن أصحاب المولدات الخاصة رفضوا تأمين التيار البديل لساعات طويلة، بحجة ارتفاع سعر المازوت. فهم على حد تعبيره ليسوا «بديلاً من الدولة. وقيمة الاشتراك الشهري، التي تراوح بين 50 و70 دولاراً، ما عادت توفيّ معهم».
هذا الوضع الصعب في تأمين التيار أجبر العديد من أصحاب محال السمانة، وخصوصاً المتوسطة والصغيرة، على التخفيف من تخزين السلع التي تحتاج إلى التبريد ساعات طويلة. فيشترون بالجملة من شركات التوزيع ما يحتاجون إليه وفق حركة السوق اليومية، لأن «الخساير هيدي الأيام يصعب تعويضها»، على حد قول جمال جبخانجي الذي يملك محلاً للسمانة في ساحة النجمة. ويسأل الرجل بسخرية مرّة «إذا انقطعت الكهرباء ببيوتنا، نفطر ونتسحّر على ضوء الشموع، يمكن هيك الوضع أكتر رومنطيقية، بس الجبنة واللبنة واللحمة شو علاقتها بالرومانسية؟».
يختلف الوضع في محال السمانة الكبيرة والسوبرماركت، فالمولدات الكهربائية الخاصة بها موجودة، تؤمّن التيار عندما ينقطع. «مستودعات التبريد وصالات العرض الخاصة بالألبان والأجبان واللحوم فيها بضائع بآلاف الدولارات، وأي خلل بتأمين التيار للبرادات يعني أنو مصيبة كبيرة وقعت على راسنا»، وفق قول يحيى عبد المجيد الذي يوضح أن ارتفاع سعر المازوت أوصل «ما نصرفه من هذه المادة لتشغيل مولد الكهرباء الخاص إلى نحو مليون ليرة شهرياً هذه الأيام»، ويقول معلّقاً: «صار المازوت مصروفاً ثانياً لنا لم يكن بحسباننا».
لكن عبد المجيد أشار إلى أن بيع هذه السلع «تراجع بسبب الانقطاع المتواصل للتيار، فأغلب العائلات لا قدرة لديها على الاشتراك بالمولدات، أو شراء مولد، فتشتري ما تحتاج إليه بالأوقيّة». إضافة إلى أن الثقة بجودة البضائع لم تعد كما كانت لدى المستهلك.