إيلي شلهوببعيداً عن لغة التخوين ومصطلحات العمالة، يبدو أن مدرسة أبو مازن قد أقرّت بإفلاسها، من دون أن تشهره.
مدرسة ترفع شعار «التسوية السلمية». تستند إلى مبدأ «العين لا تقاوم مخرزاً». أداتها «التفاوض» تحت سقف «أوسلو». منهجها توسّل الرعاية الأميركية والدعم العربي واستجداء التفهّم الإسرائيلي. غايتها انتزاع ما أمكن من «حقوق» ما بعد حرب 1967.
ترعرعت في أحضان ياسر عرفات. دفعت باتجاهها سلسلة من الانتكاسات (أيلول الأسود، الخروج من بيروت...)، ويأس من نظام عربي تواطأ بعضه على القضية وحاول بعض آخر الهيمنة عليها. كرّست أرجحيتها متغيرات دولية، في مقدّمها انهيار الاتحاد السوفياتي وحرب الكويت.
«إنجازاتها» متعددة. تبدأ بـ«استعادة» القضية بعد فك ارتباطها مع العرب، ولا تنتهي بـ«العودة» إلى غزة والضفة وإقامة السلطة «في أرض الوطن». سلطة تحوّلت إلى غاية في ذاتها، وقضية باتت أسيرة قيادات وأجهزة ينخرها الفساد والمصالح الذاتية، ورهينة في أيدي دبابات الاحتلال وصواريخه. أما «الاتفاقات» فسرعان ما تبيّن أن كل بند فيها يحتاج إلى صولات وجولات، قبل أن تنقلب إسرائيل عليها وعلى موقّعها.
رحل أبو عمار، وغابت معه القيادة التاريخية التي كان يمثّلها، تاركاً خلفه انتفاضة تترنح وشعباً تائهاً بين عدوان لا يتوقف وهيكليات غير مُُمأسسة بلا رأس، في ظل هجمة أميركية شرسة على المنطقة، توّجت باحتلال العراق.
لم يكن هناك «أفضل» من مهندس «أوسلو» ليتولّى الدفة من بعده. قيادة استغلها «أبو بيلين»، بحسب توصيف أبو عمار نفسه، لتطبيق رؤيته من أجل تسوية الصراع، في ظل اصطفاف جديد في المنطقة. راهن على «الشرق الأوسط الكبير» الأميركي، فتحطمت آماله في أتربة المستنقع العراقي. احتمى بـ«المعتدلين العرب»، فهوى مع سقوطهم. لجأ إلى الأميركيين، فاصطدم بعجزهم. توجّه نحو الإسرائيليين، فاكتشف أنه خلع ثيابه كلها في أوسلو، وما عاد يمتلك سوى ورقة التوت ليفاوض عليها، وخاصة بعدما «انقلبت» عليه «حماس» وحوّلته إلى رئيس «جمهورية رام الله». وهكذا، انعدمت خيارات أبو مازن، الذي بات يقتات على الفتات الإسرائيلي، فارتضى تغيير شعار مدرسته إلى «التفاوض من أجل التفاوض» بانتظار... «نصر الله والفتح».