سليم النجار *وليس عبثاً إصرار محمود عباس على تسليم أحمد قريع مسؤولية جهاز التعبئة والتنظيم في الحركة، الذي يعدّ من أقوى الأجهزة الفاعلة لدىها.
اللافت أنّ استعدادات السلطة لعقد مؤتمر «فتح»، كانت كبيرة وقوية، من خلال إرسال رجالاتها إلى خارج فلسطين، من أجل تحفيز الكوادر وتنشيطهم، على المشاركة في المؤتمر العتيد. فمحمد دحلان الذي يتنقّل ما بين القاهرة وعمّان، عقد مؤخراً اجتماعاً كبيراً في العاصمة الأردنية، لكوادر «فتح»، من أجل وضعهم في صورة المؤتمر القادم واختيار المندوبين للمشاركة.
خطوة دحلان أثارت حفيظة العديدين من قادة «فتح» التاريخيّين، الذين رأوا، أن نشاط دحلان في الأردن، هو مقدمة لتنحية هاني الحسن، المعني رسمياً بشؤون «فتح» في الأردن منذ أواسط السبعينات حتى الآن، الذي ترى قيادة الحركة، أنه متواطئ مع «حماس»، بدليل التصريحات التي أدلى بها لقناة «الجزيرة» أخيراً، والتي كان مفادها، أن الحركة الإسلامية قامت بخطوة استباقية ضد رجالات أميركا في غزة، الأمر التي عدّته قيادتا «فتح» والسلطة، خروجاً عن خط «فتح» الرسمي، وتبريراً لما قامت به «حماس» في غزة.
قنابل دخان كثيفة أطلقها في الأيام الأخيرة كوادر «فتح» المحسوبون على «خط التسوية»، والمقرّبون من رئاسة السلطة في رام الله، للتشديد على أنّ المؤتمر المزمع عقده في عمّان، سينجح في إرساء قواعد جديدة لاختيار أعضاء المجلس الثوري، واللجنة المركزية. ويشير هؤلاء إلى أنّ 70 في المئة من أعضاء المجلس الثوري، واللجنة، سيجري اختيارهم من الداخل، أي الضفة والقطاع، وهذا يعني عملياً، اختيار رجالات أحمد قريع، الذين يؤيدون سياسات رئاسة السلطة ونهج القيادة في المفاوضات. ويمكن استخلاص ملمح ثانٍ من هذه المؤشرات، مفاده نيّة إسقاط ورقة اللاجئين، من خلال تهميش فلسطينيّي الشتات، الذين سيمثّلون من خلال كوادر المنتشرين في الخارج، بنسبة لا تتجاوز 30 في المئة في اللجنة المركزية في أحسن الأحوال.
أما ما يثير الاستغراب والدهشة، فهو حالة التكتّم الشديد على قادة «فتح» الشبّان المحسوبين على الخط الأميركي، الذي يتزعمه محمد الحوراني، عضو المجلس الثوري. فهذا الأخير، بقي صوته خافتاً، وغير ظاهر على الشاشة السياسية الفتحاوية، الأمر الذي يعني، أن قيادة أبو مازن، ما زالت تصر على مسك زمام الأمور ومقاليد الحركة من خلال القادة التاريخيين، الذين آمنوا بأن أميركا في يدها 90 في المئة من أوراق اللعبة.
وما يشير إلى الحزن والأسى، أن رجالات الرئيس الآن، كانوا تاريخياً محسوبين على يسار «فتح»، الذي كان يتزعمه الشهيد ماجد أبو شرار مسؤول الإعلام الموحّد لمنظمة التحرير. فأحمد قريع، ورغم أنه قادم من مؤسسة مالية، كان محسوباً على أبو شرار، وكذلك الناطق الرسمي للحركة في الداخل والخارج، أحمد عبد الرحمن، الذي يقود المطبخ الفتحاوي من خلف الكواليس.
البلدوزرات الفتحاوية الرسمية القادمة من رام الله، بدأت عمليات تسخين محركاتها، من أجل تنظيف كل من يعترض ما هو مخطط ومرسوم لسياسات «فتح» الرسمية، ولمواجهة تيار بدأ يتبلور بين صفوف مندوبي المؤتمر، الذين يقدّر عددهم بما بين 2000 و2500 حسب مصادر فتحاوية.
ويقود هذا التيار فاروق القدومي، الذي بدا وضعه التنظيمي والمالي محرجاً للغاية، بعدما سُحبت منه صلاحية تعيين سفراء لفلسطين، وحصر هذا العمل بيد عباس شخصياً، وتقليص الميزانية المخصصة له، والإصرار على أن تكون المبالغ التي يتقاضاها من خارج الصندوق القومي الفلسطيني التابع لمنظمة التحرير، بل من ميزانية السلطة الوطنية، أي من خلال وزارة المالية.
«فتح» في الأشهر المقبلة ستحدّد مصير نفسها، ومصير الشعب الفلسطيني، وإن كانت ملامح العم سام هي الطاغية، لكن التاريخ أيضاً، علّمنا أن التطورات الدراماتيكية دائماً تحصل في اللحظات الأخيرة.
* كاتب فلسطيني مقيم في عمّان