لم تعد الأزمة الطائفية في لبنان تخفى على أحد، وها هي انعكاساتها تظهر في سوق العمل، وخصوصاً في الاستمارات التي يملؤها الشباب، والتي باتت تطلب التصريح عن الطائفة والمذهب في معظم الأحيان
ليال حداد
يذكر ربيع زعيتر جيداً يوم كان يملأ طلب العمل في أحد المصارف الكبرى في لبنان. كتب ربيع اسمه والعائلة والجنسية، إضافة إلى تحصيله العلمي وخبرته العملية. كان الشاب مرتاحاً لجهة الحصول على الوظيفة، إلى أن وصل إلى خانتَي الطائفة والمذهب. لم يكتب ربيع شيئاً في الخانتين، «احتراماً للمبادئ التي أناضل من أجلها في حياتي الاجتماعية والسياسية»، وأعاد الاستمارة إلى المسؤولة عن الموظفين. نظرت المرأة بإعجاب إلى سيرة ربيع، إلا أنها طلبت منه أن يملأ خانة الطائفة، لم يقبل الشاب مجدداً، فما كان منها إلا أن صارحته «إذا ما بتعبّيها مسيو، صعبة تتوظّف». وفعلاً لم يحصل ربيع على الوظيفة.
في المصرف نفسه الذي يمثّل حلقة من شبكة مصالح جهة سياسية كبرى في لبنان، خسر عدد كبير من الشباب فرص عملهم رغم سيرهم الذاتية الحافلة بالشهادات والخبرات المهنية، فقط لأنهم رفضوا التصريح عن طوائفهم، «لا أفهم هذا المنطق، فإذا كانوا لا يوظّفون إلاّ فئة معينة، فليكتبوا ذلك على مدخل المصرف»، يقول حسن زيدان، الذي «تعقّد» من عدد المؤسسات الطائفية في البلد. تقدّم حسن بطلبات عمل إلى أكثر من عشر مؤسسات تختلف اهتماماتها بين التأمين، والخدمات المصرفية وغيرهما، «ثمان منها طلبت المذهب، لا الطائفة فقط». رفض حسن مراراً الخضوع «لهذا التخلّف الثقافي والأخلاقي»، كما يقول. وعندما حاول حسن الاستفسار من مدير إحدى الشركات عن سبب طلب الطائفة، قال له المدير ببساطة «مش عاجبتك شروطنا غيرك أحسن منك».
من المصارف إلى المطابع، لا يختلف الوضع كثيراً، ففي إحدى المطابع الشهيرة في بيروت، تحتلّ خانة الطائفة صدر الصفحة الأولى من استمارة العمل، مباشرة بعد الاسم والعمر. «ظننت في البداية أن تسجيل الطائفة أمر اختياري، فلم أكتب شيئاً، إلّا أن المسؤولة في المطبعة أكّدت لي أهمية كتابة الانتماء الطائفي»، رضخت نادين عبد الله بسبب حاجتها الملحّة إلى العمل، إلّا أنه يبدو أن طائفتها لم تعجب المسؤولة التي أكدت لها أنّ المطبعة ستتصل بها «إذا مشي الحال»، وبطبيعة الحال، لم يعاود أحد الاتصال بالشابة.
إلا أن التصريح عن الطائفة لا يقف عند حدود الشركات الكبرى، فتقديم طلب للعمل في أحد مطاعم وسط المدينة بات أيضاً يتطلب ذلك. مالك متّى واجه هذه المشكلة، إلا أنه لم يعرها أهمية كبرى «بما إنو طائفتي تظهر من عيلتي» يقول. وقد حصل مالك على وظيفة مسؤول عن الموظفين في المطعم. إلا أن المشكلة الحقيقية ظهرت عندما أعلن المطعم حاجته إلى عدد من الموظفين الجدد «رأيت عن كثب كيف يختارون الموظّف، فنادراً ما ينظرون إلى كفاءته، إذ إن المعيار الأول هو الطائفة». استفسر الشاب من مدير المطعم عن ذلك، فما كان منه إلا أن أجابه بصراحة «كلنا مِنكون من فَرْد ملّة أحسن ما يصير مشاكل».
يُذكر أن بعض الشباب بدأوا يلجأون إلى الطريق المعاكس، فيكتبون طائفتهم دون أن يكون ذلك مطلوباً. هذه هي حال علي قانصو الذي كتب «شيعي» عند أسفل الاستمارة محاولاً تعزيز فرصه في الشركة بما أن مديرها ينتمي للطائفة نفسها.


لا تقف حدود مشاكل البحث عن عمل عند الطائفة، إذ إن مشكلة أخرى تظهر بالنسبة إلى الفلسطينيين. جورج جبرا، قدّم طلباً للعمل محاسباً في إحدى الشركات. وعندما لم يتصّل به أحد، قرر التأكد من السبب فأرسل السيرة نفسها، مغيّراً اسمه وجنسيته. فاتصلت به الشركة مبدية إعجابها بسيرته