هادي حبيبأواسط القرن الماضي، لم تكن السيارة سريعة ومريحة كما هي اليوم؛ كانت مثل «الدابة» كما يقول أبو فادي، الصياد البتروني السبعيني الذي يذكر تلك المرحلة. لم يكن عدد السيارات كبيراً، فكانت الواحدة منها تضيق بركّابها الستة أو السبعة، عدا عن الأولاد الصغار.
كانت السيارات تمرّ حكماً وسط مدينة البترون، حيث الطريق البحرية، الممرّ الساحلي الوحيد قبل شقّ الأوتوستراد. وأمام محلات الليموناضة وأشهرها «شي حلمي» كانت العائلة تتوقف: فمذاق الحامض جيد، والسكر فيها يساعد المصابين بدوار السفر على التخلص منه.
وما يميّز ليموناضة البترون تحديداً، طعمها المر إضافة للحلو والحامض. ومرد الطعم المرّ إلى أن «الحامضة» تُعصر مع قشرتها. أما المقادير، فيقول أهل المدينة إنها كانت ولا تزال من أسرار المهنة، «ولو بعرف ما بقلّك»، أو يغمغمون انها «مسألة نَفَس».
صديقٌ، يُعد مرجعاً ثقافياً ـــــ اجتماعياً في أخبار بلاد البترون، أسرّ إليّ برواية أخرى. قال إنه في الأزمنة الغابرة، كانت السفن اليونانية ترسو في ميناء البترون، وينزل البحارة إلى اليابسة، فتأتي لهنّ بعض الجميلات بشراب الليمون المعصور مع قشرته. عايدة الشدياق، البترونية الفخورة بمدينتها، تؤكّد أن شهرة الليموناضة في البترون أمر طبيعي، كذلك المربَّيات، لأن باني البترون بالأصل، حَلَواني. ويعتد أهالي البترون بشاربي الليموناضة من المشاهير الذين مروا في مدينتهم الجميلة. لكنهم يفخرون خاصة بالرئيس الراحل (والفاتن) كميل شمعون الذي كان يتوقف خصيصاً في المدينة لشرب كوب من الليموناضة الفاخرة في طريقه إلى طرابلس، حيث كان يتحلى بطبق من «حلاوة الجبن».
أما اليوم، ففيما لم تعد السيارة دابة، وقد باتت «تطير» على علوّ منخفض، بحسب طريقة البعض في القيادة، ولمّا كان الأوتوستراد قد حرم البترون، كما معظم المدن الساحلية، من العابرين، باتت الليموناضة في البراد/ الخلاط، غير موجودة إلا في واجهة مجرد.. محلّين اثنين للحلوى في البترون. وبات زبائنها من روّاد الليل، يطفئون بها عطشاً مزمناً بعد خروجهم من الملاهي في الصباح الباكر. وقد تسمع أحدهم يردّد بيت الزجل الشهير هنا:
يا رايح على البترون وما بتشرب ليموناضا
متل اللي حدّو حلوي، وما بيطّلّع بفخادا