محمد طي *من أجل قطع الطريق على توطين اللاجئين الفلسطينيين، طرح عدد من النواب تعديل المادة 77 من الدستور، واجتمعوا برئيس الجمهورية ليتبنى طرحهم ويعمد إلى المبادرة إلى طلب إعادة النظر في الدستور لجهة إضافة فقرة إلى المادة المذكورة، تقضي بأن تكون «الأكثرية المطلوبة لتعديل الفقرة «ط» من مقدمة الدستور لجهة تجزئة لبنان أو تقسيمه أو القبول بالتوطين أو لتعديل المادة الثانية من الدستور هي إجماع أعضاء مجلس النواب عليها».
والفقرة «ط» في مقدمة الدستور تنص على أن:
«أرض لبنان أرض واحدة لكل اللبنانيين، فلكل لبناني الحق في الإقامة على أي جزء منها، وبالتمتع به في ظل سيادة القانون، فلا فرز للشعب على أساس أي انتماء كان، ولا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين».
أما المادة الثانية فتقضي بأنه: «لا يجوز التخلي عن أحد أقسام الأراضي اللبنانية أو التنازل عنه». وهكذا إذاً فإن لبنان، في ظل النص الحالي، لا يجوز تجزئته ولا تقسيمه ولا التنازل عن أي قسم منه (حتى مزارع شبعا) ولا توطين الفلسطينيين فيه.
وخوفاً من تعديل الدستور بالأكثرية المنصوص عليها في المادة 77، أي أكثرية الثلثين في حال موافقة الحكومة على التعديل، وأكثرية ثلاثة أرباع في حال عدم موافقتها، فقد بادر النواب إلى تحركهم المذكور.
ولنا في هذا الصدد سؤال وملاحظة.
لماذا لم يطالب النواب المذكورون بمنع تعديل هذه الأحكام بالمطلق، وهناك سوابق في هذا المجال ومنها:
ـــ المادة 89/ 4 من الدستور الفرنسي الحالي التي تنص على:
«Aucune procédure de revision ne peur être engagee ou poursuivie lorsqu´il est porté atteinte à l´intégrité du territoire».
وترجمتها أن أي إجراء للتعديل لا يمكن أن يباشر أو يتابع إذا كان يمكن أن يمس بوحدة الأرض».
المادة 89/ 5 التي تنص:
«La forme républicaine du gouvernement ne peut faire l´objet d´une revision»
أي أن الشكل الجمهوري للحكم لا يمكن أن يكون محلاً لأي تعديل.
ـــ المادة 289 من الدستور البرتغالي التي تنص على أنه:
« لا يمكن إجراء أي تعديل دستوري أثناء حالة الحصار أو حالة العجلة (الطوارئ).
ـــ المادة 79/3 من الدستور الألماني التي تنص على أنه:
«يمنع أي تعديل للقانون الأساسي الحالي يمكن أن يمس تنظيم الاتحاد على أساس الدويلات Lander أو مبدأ مشاركة الدويلات في التشريع أو المبادئ المنصوص عليها في المادة «1» (بشأن كرامة الكائن البشري والطابع الإلزامي للحقوق الأساسية في مواجهة السلطة العامة) أو المادة «20» (أسس نظام الدولة وحق المقاومة).
ـــ المادة 169 من الدستور الإسباني التي تقضي بأنه:
«لا يمكن المبادرة إلى تعديل الدستور في زمن الحرب أو عندما تتحقق إحدى الحالات المنصوص عليها في المادة (116) (حالات الإنذار والعجلة والحصار)...
ونحن نطرح السؤال لأنّ بقاء الباب مفتوحاً للتعديل، ولو كان يتطلب الإجماع، لا يلغي الخطر بالكلية، لأنه يخشى أن تتوافر تلك الأغلبية ولنا شواهد على توفير أغلبيات بشكل غير طبيعي، كحالة انتخاب بشير الجميل في ظل الاحتلال الإسرائيلي من النواب الذين طالبوا في الطائف باستخدام كل الوسائل لتحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال والتصويت على قانون أصول المحاكمات الجزائية سنة 2001 وتعديله بعد أسبوعين، وكذلك في التمديد للرئيس لحود سنة 2004 والندم بعدها والتنصل.
أما الملاحظة، فهي أن التعديل المطلوب وأي تعديل مشابه، يمكن الالتفاف عليه، أولاً بتعديل يلغيه، ثم بتعديل المضمون المراد تعديله، أي إنه إذا أريد (لا سمح الله) إجراء أي أمر مما تحرمه الفقرة «ط» من المقدمة أو المادة «2» من الدستور، وكانت المادة 77 قد عدلت، فيمكن:
أولاً: تعديل المادة 77 من جديد، بحيث يلغى تعديلها السابق. ثانياً: تعديل الفقرة «ط» والمادة «2».
على أن التوطين لا يمكن منعه بالنصوص الداخلية ولا حتى الدولية، بل بواسطة موازين القوة التي تجبر من يمنع هذا الحق على قبوله، إذ ما نفع أن يرفض لبنان التوطين ويرفض العدو الاعتراف بحق العودة، فهل يجبره تعديل الدستور اللبناني على التراجع؟
إننا نعتقد، وليسمح لنا «مريدو الحياة» بإبداء هذا الاعتقاد، أن الذي يمنع التوطين هو الكفاح بكل الوسائل لإجبار العدو على القبول به.
والكفاح يجب أن يقوم به المتضررون من التوطين الحاصل واقعياً اليوم، أقصد الفلسطينيين واللبنانيين، وهذا حق الفريقين وواجب عليهما.
أما إذا كان بعضهم يخطط، والآخرون ينفذون دون أن يدروا، للتخلص من التوطين بالتهجير، كما يرى بعض الغرب وبعض اللبنانيين، فإن الأمر يؤدي في النهاية لا إلى حل، بل إلى حرب متعددة الأطراف في لبنان، يدفع ثمنها الشعب اللبناني، كما دفع ثمنها أخواتها.
* كاتب وخبير دستوري