رامي خريسكسبت الصين ترشيح أولمبياد بكين في عام 2001، وهو العام نفسه الذي تعرّضت فيه أميركا لاعتداءات 11 أيلول التي أعلنت على أثرها حربها على «الإرهاب»، ذاهبة في أوسع مغامرة إمبراطورية لفرض النفوذ والاستحواذ على الثروات وتعميم «النموذج» الأميركي في ميادين السياسة والاقتصاد والثقافة في كل العالم.
قدّم توماس فريدمان مقاربة بشأن هذا الأمر أخيراً في صحيفة «نيويورك تايمز»، حين أكّد أنه «فيما انشغل الصينيون في بناء الملاعب، المطارات، الطرق السريعة والمتنزهات، كان الأميركيون يجهدون في صناعة المدرعات والطائرات المتطورة بدون طيار».
سيكون من شأن هذه التطورات التي حصلت خلال السنوات السابقة أن تقدّم أكبر درس لدول العالم في الطريقة الأمثل لاتخاذ القرارات في مجالي السياسة والاقتصاد.
فالصين لم تنصب مدفعاً ولم تطلق صاروخاً واحداً، لكنها بالرغم من ذلك كسبت ثقلاً
ونفوذاً واسعين في الساحة الدولية، ويُتوقّع أن تصبح الاقتصاد الأول عالمياً مع نهاية العقد المقبل.
أما روسيا فقد انتشلت نفسها من براثن التفكك والانهيار الشامل عبر سياسة جمعت ما بين إحياء الروح الوطنية لدى عموم الروس وإعادة الاعتبار لمكانة الدولة في عملية البناء والتنمية الاقتصادية عبر السيطرة على القطاعات الاستراتيجية، ما أفضى بالمحصلة إلى استرجاع النفوذ العالمي لروسيا وتشجيعها على الشراكة مع القوى الجديدة الصاعدة لإنهاء نظام القطب الواحد بقيادة أميركا.
إلاّ أنّ الحلقة الأهم في هذا الدرس سيقدمها الناخب الأميركي إذا ذهب باتجاه التصويت لمرشّح التغيير باراك أوباما، الذي تبدو أطروحاته في موضوعات السياسة
الخارجية والداخلية منسجمة مع التغيّرات التي تجري اليوم بشكل واسع في العالم. لقد شاءت اللحظة التاريخية أن تحشد هذا القدر من الأحداث السياسة والاقتصادية الشديدة الدلالة عشيّة الانتخابات الأميركية، كأنها دعوة للناخب الأميركي لأن يصوّت لمصلحة حقبة جديدة تكون فيها سياسة أميركا الخارجية متوازنة ومنفتحة على العالم، فيما تُصحّح فيها السياسات الداخلية في مجال الاقتصاد، بحيث ينتهي تحميل الفئات الشعبية الواسعة من الجمهور الأميركي تكاليف الطموح الإمبراطوري لمجموعة المحافظين الجدد.
الصين وروسيا لم تستنفدا بعد كل طاقاتهما المادية والبشرية، وأمامهما الكثير من
العمل في مجالات مختلفة، فيما تبقى أميركا، بالرغم من أزماتها الاقتصادية والسياسية، صاحبة الحضور الأكبر في العالم بكل المعاني، وهي الحقيقة التي ينبغي التذكير بها دائماً لئلا نقع في وهم تغيّر العالم في ليلة وضحاها.
ديناميات التغيّر العميق قد بدأت بالفعل، وحين يتعلق الأمر بالتغيير في دول عظمى، فإن آثاره غالباً ما تكون شاملة وعالمية. هل نحن أمام استنساخ عولمة جديدة أكثر تمايزاً؟ هل هناك عالم جديد ينتظرنا؟