أحمد هاشم«كلما تقدّمنا خطوة للأمام رجعنا خطوتين للوراء» تلك هي السياسة اللبنانية. ولدت حكومة لبنان الوطنية وتبعها لاحقاً بيانها الوزاري بعد مخاض عسير. واستبشرنا خيراً وأملنا حلحلة للملفات الاجتماعية والاقتصادية. ابتداءً من معالجة ملف الهم المعيشي المتفاقم الذي يقضي بتصحيح الأجور لتتناسب مع غلاء المعيشة، بشكل مدروس ومتلازم مع مراقبة شديدة وقاسية لفلتان الأسعار المرتفعة استنسابياً، مع حماية ضريبية للمنتج عبر ضريبة حامية أو مانعة لدخول البضائع المستوردة والمصنعة محلياً.
في إحدى الليالي المظلمة القاتمة بالسواد، استوقفني طلب ولدي هاشم وهو في الرابعة من عمره بعدما استيقظ عند الساعة الثانية فجراً، وقال لي «بابا دور لي شي مكيف أو مروحة حتى اتنفّس، ضاق نفسي، انا تعبان، فطسان». بماذا أجيبه؟ هل أقول له إن الكهرباء محوّلة إلى سهرات اللهو والمجون حتى تستفيد منها الطبقة الرأسمالية ولا عدالة في توزيعها بين المناطق، أم أقول له إن الكهرباء خلقت لطبقة First class فقط وعلى عامة الشعب الصلاة والدعاء للزعماء بطول العمر، اذهب يا ولدي للنوم وادْعُ الله أن يغير الأحوال، قدرك أن تكون في لبنان.
كيف نستطيع أن نؤدي وظيفتنا اليومية بعد قضاء الليل بكامله متنقّلين بين الشرفة وأروقة المنزل باحثين عن نسمة هواء ننتعش بها، فالكهرباء اليوم من الحاجات الأساسية لتأمين المأكل والمشرب والراحة والنوم والعمل، وبالرغم من كل ذلك فإننا ندفع فواتير الكهرباء التي لا نراها، إضافة إلى اشتراك المولد وبطاريات الـ ups، فضلاً عن الفاتورة الصحية من تلوث المولدات، تلك هي الكهرباء التي يجهدون ليل نهار للحصول على ساعتين ونصف ساعة تغذية من جمهورية مصر العربية «أم الدنيا» التي لم تستطع أن ترفض طلب إسرائيل بإقفال الحدود مع فلسطين المحتلة، فكيف بها إذا طلب منها أو فرض عليها أن تقطع مدناً بالكهرباء. أيها المسؤولون، لديكم ثروة في لبنان تنتج الكهرباء بأقلّ من كلفة شرائها، ويكون القرار بأيديكم ولن تكونوا تحت رحمة أحد، حينها تتحقّق إحدى دعائم دولة الحرية والاستقلال.
لم يكن ملف الكهرباء الوحيد الذي يعانيه المواطن، بل هناك ملفات عديدة ومنها ملفا المياه والهاتف الخلوي:
إن ملف المياه «وجعلنا من الماء كل شيء حياً» لا يعقل أن يبقى على ما هو عليه. ألا يخجل من يقوم بإدارة مصلحة المياه ولا يستطيع أن يؤمّنها 24 / 24 وتركها تصب هدراً في البحر أو التبرع بها، وهل للمياه قيمة عندكم؟ خذوا العبر من سمكة سمعت كل المخلوقات تنادي ماء، ماء، ماء... فتعجبت من قولهم وإلحاحهم على طلب الماء، حتى أتاها صياد وأخرجها إلى اليابسة، حينها أدركت أهمية الماء». لعلنا نعتبر وندرك قيمة هذه الثروة ونرجو الله سبحانه وتعالى ألا يُعاقبنا على إهمالها ويحرمنا إيّاها.
أما الهاتف الخلوي الأغلى عالمياً، فلا نعلم لمصلحة مَن الموافقة على ارتفاع فاتورته؟ ولماذا الاستمرار أيضاً في سرقة المواطن بتأدية الخدمة اليومية بانقطاع المكالمة أكثر من مرة، وعدم إعادة التأمين الذي دفع عند شراء الخطوط الثابتة منذ التسعينات 500 دولار.
كل هذه الملفات تفاقمت نتيجة للخلافات السياسية بين 8 و14 والمستقلين وغيرهم، ويدفع المواطن وحده في لبنان كل يوم الثمن باهظاً.
في الجلسات الأولى للحكومة، فوجئنا بغياب هذه الملفات التي استُبدلت بملفات قد تكون أقل أهمية من حياة المواطن اليومية، منها تنظيم العلاقة مع سوريا، في الوقت الذي تسعى فيه كل الدول إلى تسهيل حركتها التجارية والعمالية مع جيرانها (الدول الأوروبية مثلاً)، لينفتح الاقتصاد وينتعش، شرط الحفاظ على المعاملة بالمثل.
وهنا يوجد تساؤل مهم: هل من مصلحة لبنان وشعبه تعقيد حركة مرور المواطنين والبضائع والعمال والسائحين من سوريا وإليها.
هل تعلم أيها الحرّ المستقل أن أكثر من ثلث سكان لبنان، وخاصة البقاعيين والشماليين بمختلف انتماءاتهم السياسية والمذهبية يسهل عليهم تأمين حاجاتهم من أسواق سوريا أكثر من الأسواق اللبنانية؟
فلا بارك الله بتلك الخطوات التي أردتموها وفرضتموها على شركائكم في الوطن، لو تعرفون فعلاً ماذا يعني وجود سفارة (فيزا، وزن بضاعة، إجازات عمل، إقامات، ارتفاع أسعار، جمارك، مسموح وممنوع...)، وما تحمله من آثار سلبية على حرية الحركة بجميع أنواعها بين لبنان وسوريا، لطلبتم أن تفتح الحدود دون تأخير.
إنه التقهقر بعينه، فالبلد الناجح تسعى سياسته خلف مصالحه الاقتصادية، وسياستكم المتّبعة تأخذ البلد إلى الهاوية، لأنها سياسة كيدية يعمل فيها الأول ليغيظ الآخر.
بهذه الخطوات، ينتصر أعداء لبنان (أميركا وإسرائيل) الوطن الحر المستقل، لأنهم يسعون دائماً لوضع العوائق أمام التضامن العربي، ومما لا شك فيه أن المواضيع والقرارات التي تؤيدها أميركا (الساعية دائماً للحفاظ على الأمن الإسرائيلي، التي زودّتهم بالذخائر والقنابل الذكية لقتل الأطفال والنساء والشيوخ) حتماً لا مصلحة لنا بها.
تعالوا نفكّر في مصلحة البلد، ومصلحة المواطن من الزاوية الحضارية، لأننا كفرنا بكل الشعارات التي نهايتها استغلال المواطن.