نظّمت شبكة «مسار السياسات الشبابية» ورشة عمل عن «الرقابة في لبنان» شارك فيها ممثلون عن المنظمات الشبابية والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني
ديما شريف
يتذكر الطالب مراد عياش كيف فرضت إدارة المدرسة التي كان يتعلّم فيها على التلاميذ رقابة مسبقة على كلمة المتخرجين التي كان يفترض أن يلقيها في حفل نهاية العام. خضع مراد لإرادة المدرسة لكنه في الحفل بدّل مضمون الكلمة ليقول ما يريده. يرى مراد أنّ ذلك أتى متنفساً عن رقابة مستمرة كانت في مدرسته، أدت إلى امتناعه مع زملائه عن الشكوى لدى التفتيش التربوي خوفاً من الأساتذة وضياع العام الدراسي. ويضحك مراد حين يتحدث عن أحد أقربائه الذي نفعت معه الرقابة فنال وظيفة أمّنها له رئيس الجامعة إثر كلمته في الحفل النهائي، التي لم يعدل فيها شيئاً. تمثّل هذه الحادثة جزءاً من حوادث يومية يتعرض فيها الإنسان لنوع من الرقابة، وقد مثّلت محور بحث ونقاش في ورشة العمل التي أقامتها شبكة «مسار السياسات الشبابية»، تحت عنوان «الرقابة في لبنان» مع عدد من الشباب الفاعلين في منظمات شبابية وجمعيات المجتمع المدني.
ورغم غياب ممثلي بعض المنظمات الشبابية المدعوّة، اتسمت جلسات النقاش بتبادل الأفكار عن الموضوعات المطروحة. كما تميزت بأن التوصيات صاغها المشاركون وعكست وجهات نظرهم.
وقبل العمل في مجموعات، قدم غسان مكرم، الباحث في التنمية المجتمعية، عرضاً لأبرز ما جاء في الملف الذي أعدته الشبكة عن موضوع الرقابة في لبنان. وكان التركيز الأكبر على موضوع الرقابة على الإنترنت التي تمثّل وسيلة مهمّة لتبادل المعلومات وتتعرض الخصوصية فيها لانتهاك كبير.
ومارس الشبان المشاركون رقابتهم الخاصة عندما أعطوا رأيهم في مقال بعنوان «هذا السقوط الذريع للإعلام اللبناني: البارد نموذجاً» للدكتور أسعد أبو خليل نشر في الأخبار في التاسع من تموز 2007. المقال الذي يتناول دور وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة في تغطية حرب مخيم نهر البارد أعجب بعض المشاركين وأستفز آخرين. وأكد مكرم أنه تعمد انتقاء هذه المقالة لكونها استفزازية للبعض. فمارس المشاركون بحقها رقابة أخلاقية وسياسية.
وتميزت مجموعات العمل الأربع بالتفاعل بين المشاركين وتبادل الخبرات كل في مجاله. فتخطى النقاش المجموعات الصغيرة ليتشارك الجميع في تبادل الآراء بشأن أنواع الرقابة وتجربته الشخصية في هذا الشأن. وشارك المدوّن السوري محمد العبد الله في الورشة وروى تجاربه مع الرقابة في سوريا. وجاءت مداخلته لتعرض لوسائل مواجهة الرقابة، وخصوصاً على الإنترنت. فهو تحدث عن وضع المدونين في الدول العربية وما حصل في مصر في نيسان الماضي. وعرض لمختلف قضايا حرية التعبير التي حوكم المتهمون فيها بالسجن لسنوات في كل من سوريا والمغرب وتونس ومصر. ورأى العبد الله أنّ الحكومات العربية تتبادل الخبرات في مجال القمع وحجب المواقع الإلكترونية بين بعضها بعضاً. ورأى أنّه يمكن مواجهة رقابة السلطة عبر التضامن كما حصل في تونس، وشدد على أهمية العمل العلني الذي يعود ببعض الإفادة أحياناً، والتشبيك بين المدونين ما يمثّل سداً منيعاً بوجه الرقابة.
وعرض منظمو الورشة خمس مواد إعلانية تتناول تحسين مناهج التربية الجنسية في المدارس، وخفض سن الاقتراع والترشح للانتخابات. ويأمل مسؤولو «مسار» عرضها على شاشات التلفزة المحلية وهم في مفاوضات معها في هذا الشأن.
وتنوعت التوصيات بين مطلب توعية المواطنين حول الرقابة وسبل مواجهتها، وقوننة عمل الرقابة والاتفاق على لائحة لتصنيف الأعمال الخاضعة لها، إلى جانب الضغط باتجاه اللجان النيابية لدفعها إلى استشارة المنظمات والجمعيات لدى إقرارها أي قانون متعلق بالموضوع.
لكن ما العمل لمواجهة الرقابة؟ يشدد مكرم على ضرورة المشاركة بديموقراطية في اتخاذ القرارات، ورصد ممارسة الرقابة على أنواعها، وتحديداً الذاتية منها.