من أكثر الجرائم التي تثير الاستغراب والصدمة هي تلك التي تحصل بين الإخوة والأقارب. هل هذه الجرائم هي مؤشر جدي إلى تفكّك الحالة الأسرية في مجتمعنا؟ أم أنها حالات عارضة قد يمر مثلها الكثير في كل المجتمعات؟

نبيل المقدم
لم يكن شريف وكامل مجرد شريكين في مؤسسة لتجارة الأخشاب ورثاها كلّ عن والده، ثم طوّراها إلى أن أصبحت مؤسسة ذات شأن في مضمار تجارة الأخشاب، بل هما أيضاً ابنا عم سادت علاقتهما كل أواصر المودة طيلة عقود.«كانت الأمور على خير ما يرام إلى أن دخل عليّ كامل ذات يوم، عارضاً تعيين ابنه وائل المتخرج حديثاً من الجامعة مديراً تنفيذياً في الشركة»، يقول شريف. أخذ نفساً عميقاً ثم تابع: رحبت على الفور وتنازلنا، كامل وأنا، لوائل عن بعض صلاحياتنا الإدارية والمالية، ولا سيما لجهة العلاقة بالمصارف. ومع الوقت، لاحظتُ أن أموراً تتغير في الشركة. فقد غادَرَنا عددٌ من الموظفين الأكفاء الذين اعتمدنا عليهم لفترة طويلة، ثم بدأنا نفقد عدداً من زبائننا الأساسيّين. وكنت كلما فاتحته بالموضوع، أُجابَه منه بعدم اكتراث غريب.
في يوم من الأيام اكتشفتُ أن وائل أسس مع بعض الشركاء مؤسسة في الخارج لتجارة الأخشاب، وأن الموظفين الذي غادروا شركتنا ذهبوا ليعملوا في تلك الشركة، وأن ذلك كان سبب تحوّل الزبائن إلى الشركة الأخرى. ذُهلت ودَعوتُ وائل وكامل الى اجتماع. وسرعان ما تحول النقاش إلى جدال عنيف. لم أستطع تحمل طريقة وائل في الحديث معي فصفعته. وهنا ثارت ثائرة كامل الذي كان طوال الوقت يحاول أن يأخذ موقفاً وسطياً بيني وبين ابنه، وبادر فوراً إلى طلب فض الشراكة وهكذا حصل.
تحوّلنا من الشراكة إلى مزاحمة استَعمل فيها كلانا أحياناً أساليب بعيدة عن روح المنافسة المشروعة، وحل الحقد مكان المحبة، وبدأنا نكيل لبعضنا الشتائم والاتهامات، أينما حللنا. يعترف شريف بأنه في أحد الأيام، وبعد تمكّن كامل وولده من الحصول على التزام سعى إليه هو بكل قواه، أرسل من يحطم سيارتيهما كإنذار لهما بالابتعاد عن طريقه. وبعد فترة قصيرة، «أرسلا من يطلق النار فوق بيتي رداً على ما فعلت».
يضيف شريف: «صمّمت على وضع حد لكل هذه الأمور بأي طريقة كانت، فذهبت يوم الحادث إلى المتنزّه الذي يقضي فيه كامل وعائلته عطلتهم. حاولت التكلم معه وتذكيره بماضينا المشترك. وكان وائل، كلما شعر بأن والده بدأ يحن إلى علاقتنا الماضية، تدخل في الحديث محاولاً استفزازي. تجاوزت استفززات وائل كل الحدود. وهذا ما لم يتحمله ابني الذي كان برفقتي فضربه وشج له رأسه، فدار الشتم واللكم، ولم أشعر بنفسي إلا وأنا أُخرج مسدسي من السيارة لأطلق النار عشوائياً، فأصبت كامل برصاصات قاتلة، وأصيب وائل في كتفه وبطنه، لكنه لم يمت».
سُجِن شريف 10 أعوام، لكنه بعد خروجه من السجن، ما زال يعيش وراء قضبان يرى أنّها أقسى وأشد: «لا سبيل أمامي للخروج من تأنيب الضمير». أضف إلى ذلك عيشه الدائم هاجس الموت برصاصة ثأر.
جرائم أخرى تحصل بين أفراد العائلة الواحدة. فمروان كان دائماً ما يساعد شقيقه فايز مالياً. وعندما تردّى الوضع المالي للأول وبات الثاني ميسوراً، لم يسدّد فايز ديناً لشقيقه الذي كان مهدداً بدخول السجن إن لم يدفع المال. عندها، طعن مروان شقيقه حتى الموت، ودخل السجن. أما إدمون، فقتل زوجة شقيقه بعدما اشتبه في خيانتها له.

أسباب وراثية؟

أسباب الخلافات والجرائم التي تحصل ضمن العائلة الواحدة، يردّها الباحث الاجتماعي والمدير السابق لقسم العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية الأميركية، الدكتور منير خوري، إلى العائلة نفسها. فهي المحطة الأساس التي ينطلق منها كل تقليد، سواء كان سلبياً أم إيجابياً. كما أن خوري يغزو هذه الجرائم أحياناً إلى أسباب جينية أو وراثية تتعلق بالجهاز العصبي أو أن يكون مصدرها حالات نفسية معيّنة، مما يؤدي إلى انشطار حاد في المفاهيم بين أبناء البيت الواحد، يوصل تراكمها مع الوقت إلى حد محاولة الإيذاء أو ارتكاب الجريمة.
ويقسم خوري العائلات في لبنان إلى قسمين: العائلة الموحّدة والعائلة الموسعة. المقصود بالأولى هي المؤلفة من الأم والأب والأشقاء والجدّين. وهذا النوع من العائلات يصعب أن تحصل فيه خلافات عميقة وجوهرية. وإن حصلت، فهي تحاول أن تحافظ على وحدتها وأن تبقي خلافاتها في إطار جدران البيت الواحد.
أما العائلة الموسعة، فالمقصود بها تلك التي تضم أقارب الدرجة الثانية وما بعدها، وهي لا تتمتع بالرابطة العضوية التي تتمتع بها العائلة الموحدة، وهي معرضة بنسبة أكبر لبروز خلافات فيها. وهذه الخلافات ترواح بين البسيط والجزئي والعميق الذي قد يصل إلى حد ارتكاب الجرائم.


لا فرق في القانون

لا جريمة ولا عقوبة من دون نص، يقول خبير قانوني. فالمواد القانونية التي تطبق على الجرائم التي قد تحصل بين الأخوة والأقارب هي نفسها التي تطبق في سائر الجرائم، مضيفاً أن بعض الجرائم العائلية يكون فيها أسباب تخفيفية في بعض الأحيان، لكنها غير منصوصة، باستثناء «جرائم الشرف».