strong>زياد منى *عناد طالي فحيمة من الصنف النضالي حيث من الصعب إقناعها بأمر ما لم تصل هي إليه عبر خبرتها النضالية والشخصية. هكذا كانت عندما قررت الذهاب إلى مخيم جنين والالتحاق بالمدافعين عنه والذي قادها إلى السجن الصهيوني نحو 3 أعوام، وأيضاً عندما زارت خيمة عزاء منفذ عملية المدرسة التلمودية علاء أبو دهيم الذي أدى إلى خلاف مع عائلتها ومغادرتها منزل والدتها، وبعد ذلك عندما توجهت إلى أم الفحم للمشاركة في مهرجان إحياء ذكرى نكبة العرب في فلسطين.
وعندما خرجت من السجن، أيضاً بسبب تأثير التضامن اليهودي ــ اللاصهيوني والعالمي، الذي غاب عنه العرب والفلسطينيون، كالعادة، كانت تتوقع، وعن حق، أن يقف الفلسطينيون معها ويقدموا إليها ما أمكنهم من مساعدة لتتمكن من استئناف حياتها النضالية والخاصة.
وكالعادة، وقف الفلسطينيون في فضاء «السلطة» وخارجه، موقف المتفرج، حيث تذرع كثيرون بأنها «يهودية» لا يجوز الثقة بها، بينما عثر القسم الأكبر من الفلسطينيين، المتقاعسين والمتخاذلين، في ارتباط قضيتها باسم شخصية أبرز قيادات كتائب الأقصى في الضفة الغربية زكريا الزبيدي على ذريعة استمرار الابتعاد عنها وعن قضيتها. خرجت طالي من المعتقل لتواجه حقائق جديدة لم تكن تتوقعها وتصفها بالكلمات: «بعد السير خطوة واحدة خارج السجن قلتُ: لستُ نادمة. خرجت من السجن إلى وقائع مختلفة ونضال تحت شروط جديدة. نشطاء «اليسار الإسرائيلي» الذين انتظروني والذين لم أعرفهم من قبل، انكشفت عيوبهم. نضالهم بورجوازي واستعلائي، وانكشفوا كجبناء. ابتعدت عنهم ما جعلهم ينضمون إلى نقادي. ردود الفعل العنيفة والتهديدات من جانب الصهاينة لم تبقِ لدي شك في أن حياتي في خطر، من الناس في الشارع ومن الشاباك على حد سواء. العلاقة الخاصة التي كانت بيني وبين إخوتي انكسرت. أشعر بغضب عميق يراودني، وأنا أحاول أن أواجهه لأنني لا أؤمن بالعمل من خلال رد الفعل».
مع ذلك، فطالي لم تستسلم ورفضت الخضوع لشروط الغير وتوجيهاتهم، حتى عندما رمى زكريا بسلاحه في مزبلة «السلطة» مقابل سلامته الشخصية؛ وحتى عندما ظهر على التلفزيون الإسرائيلي ليطلب، ببلادة معهودة من أتباع «السلطة»، من العدو السماح له بالتوجه إلى غزة لمحاربة «حماس». لكن خنوع «المقاوم التائب» تجاوز أخيراً كل الحدود ما جعل طالي تقول، في حديث مع كاتب هذه الأسطر: «رحلات زكريا الصاخبة في أرجاء وسائل الإعلام الصهيوني من دون ملاحقة طائرة تجسس و/أو اعتقال و/أو محاولة اغتيال من جهة المؤسسة الصهيونية أدت إلى نهاية دعمي طريق هذا الشخص الذي أهان النضال وخان دماء الذين استشهدوا بالرصاص الصهيوني، وأسرى السجون الإسرائيلية الذين يعانون وحشية الصهاينة». قبل اعتقالي، سادت روح المقاومة الشجاعة بين المناضلين الذي قادهم، أهداف النضال كانت واضحة. الوضع الأمني في عامي 2003 ــ 2004 في مخيم جنين كان صعباً جداً. كل يوم شهد قتل الصهاينة مناضلين فلسطينيين، لكن روح النضال بقيت حية. كانت روح المناضلين تشدني، ولم أستسلم للشاباك في الأيام التي قضيتها في سراديبهم مقيدة القدمين واليدين ومعصوبة العينين.
الكيان الصهيوني رأى في الاتفاق مناسبة لتصفية حسابات مع المناضلين، وبسببه عَلِم بأمكنة بعض المناضلين ما جعلهم هدفاً سهلاً للاغتيال، مع أن ذلك كان انتهاكاً للاتفاق. زكريا لم يكترث للأمر. قبل 3 شهور، عندما اعتقل مناضل من مجموعته توقعت أنه سيفعل شيئاً، لكنه استمر في صمته. في أعقاب ذلك، اتضح لي استحالة استمرار الوقوف إلى جانب هذا الشخص الذي خيب آمال أهداف النضال ووزع كلمته في كل أرجاء الإعلام الصهيوني وهو يرقص على دم أصحابنا الذين استشهدوا.
سفر زكريا الاستعراضي إلى رام الله بصحبة وسائل الإعلام الصهيونية، جعلني أرد عليه في المنبر ذاته لأعبر عن خيبة أملنا، ولمنعه من الاستمرار في استغلاله ما كانه من رمز في الماضي فطريق الاستسلام ليست طريقنا».
طالي فحيمة أنهت ارتباطها بزكريا بل وتطلق عليه لقب «قحبة الشاباك»، فهل سحبت بذلك الذرائع من المتقاعسين، أم أنهم، وكما هو متوقع، سيختلقون أعذاراً جديدة تسوغ تخاذلهم المفجع عن التضامن مع القوى اليهودية المعادية حقاً للصهيونية والتنسيق معها؟.
* كاتب فلسطيني