فتحت بعض المدارس الخاصة في الشمال أبوابها ما حرّك عجلة البيع في مكتبات طرابلس والجوار. لكنّ حركة المكتبات تركّزت على الكتب المستعملة، إذ يحاول الأهالي استبدال كتب أولادهم القديمة بأخرى مستعملة أيضاً توفيراً للمصاريف التي كثرت في رمضان
طرابلس ـ أمل ديب
لا يبدو المشهد مختلفاً داخل المكتبات العديدة في شارع الراهبات، أو شارع المكتبات، في طرابلس. حركة عادية تخفّ في بعض الأحيان، آباء وأمهات يتفحصون لوائح الكتب، رجال ونساء يحملون أكياس الكتب المستعملة، وأطفال يشيرون بأصابعهم إلى الحقيبة التي أعجبتهم أو الدفتر الذي لفت انتباههم.
إنها حركة الأسبوع الذي يسبق العودة إلى المدرسة بالنسبة إلى عدد من الطلاب في مدارس المدينة. في المقابل، يكمل الآخرون العطلة بعد إعلان بعض المدارس تأخير موعد بدء العام الدراسي إلى ما بعد عيد الفطر. «المدارس الكاثوليكية والأرثوذكسية أرجأت المواعيد، فيما لم ترجئ المدارس التي تروّج لنفسها بأنها إسلامية عامها يوماً واحداً» يتذمّر أبو مصطفى الذي يشتري الكتب لأولاده. وفي الوقت الذي يستعد فيه طلاب الصفوف الثانوية، وصفّ الشهادة المتوسطة في المدارس الخاصة في الشمال لبدء العام الدراسي مطلع الأسبوع المقبل، تتحضر أيضاً جيوب الأهل لتحمّل أعباء وتكاليف الكتب المدرسية والقرطاسية والأقساط. ويأتي حلول شهر رمضان في أيلول ليزيد من هموم الناس الذين بات عليهم تقسيم المدخول بين تكاليف الطعام في هذا الشهر، إلى جانب مصروف العيد من ملابس وغيرها، عدا عن مصروف بدء العام الدراسي.
تشرح أم محمد أنّ الضائقة الاقتصادية التي تمر بها كسائر اللبنانيين دفعت بها إلى تأجيل مواعيد شراء الكتب لحين بدء المدارس، فمدرسة ابنها البكر تبدأ الاثنين المقبل لذا فهي تشتري الكتب، أما مدرسة ابنتها، فمؤجلة إلى مطلع الشهر المقبل «بيكون صار معنا مصاري وقتها نشتري الكتب».
«بتشتري كتب مستعملة؟»، «عندك كتب مستعملة نظيفة؟»، «هل حسمت لنا 10 في المئة؟»... عبارات تتردد في كل مكتبة، وتشير إلى الحالة الاقتصادية المتردية في هذا الوقت من السنة. أما أصحاب المكتبات، فيبدون استعداداً لإرضاء زبون لا يريدون أن يخسروه، فيتغاضون في بعض الأحيان عن «الكسور» كالخمسة آلاف مثلاً، أو يعرضون تجليد الكتب مجاناً. «كما نقبل الدفع بالتقسيط للزبائن الدائمين الذين تربطنا بهم معرفة سابقة»، يشير صاحب مكتبة المعارف عمر مجذوب. أما حركة السوق، فيصفها مجذوب بالعادية، مشيراً إلى أنّ طرابلس مرّت «بظروف أليمة أثرّت في الأحوال النفسية عند التاجر والمستهلك»، وخصوصاً أن العدد الأكبر من الزبائن هم من المناطق المجاورة ومن بلدات عكار والكورة، حيث كان هناك خوف من عدم نزولهم إلى طرابلس وبالتالي «ضرب الموسم». إلا أنّ «مسرحية المصالحة» كما سماها مجذوب، بعثت الراحة في نفوس الأهالي وأعادت حركة السوق إلى طبيعتها.
وكان لافتاً أنّ حلول شهر رمضان المبارك، وقلة الحركة خلال النهار، دفعا بأصحاب المكتبات إلى فتح مكتباتهم بعد الإفطار وحتى الساعة الواحدة صباحاً، إذ هناك إقبال على الشراء. «العالم بدّا تهضّم!»، يقول أبو ربيع، موضحاً «نقصد الأسواق بعد موعد الإفطار لنشتري المستلزمات، إلى جانب الكتب». ويضيف أحد أصحاب المكتبات إنّ الحركة خلال النهار هي بمجملها من سكان المناطق وعكار، أما الحركة بعد الإفطار فهي من أهل المدينة والجوار.
أما صاحب مكتبة الأمانة معين متري، فيؤكد أن ّالطلب الأكبر الآن هو على كتب المدارس الخاصة، والمستعملة تحديداً، فأهالي تلامذة المدارس الرسمية ينتظرون قراراً من وزارة التربية يقدّم إليهم الكتب مجاناً، «أو سياسياً يفيض كرمه في موسم الانتخابات فيوزّع الكتب المدرسية». وفي «مكتبة المدينة» المجاورة يحمل صاحبها أمين زند على المدارس الخاصة التي لا تقبل الكتب المستعملة، وتلك التي «تتآمر» مع دور النشر على الأهالي عبر طباعة كتب جديدة «يغيرون فيها صفحة أو اثنتين» كل عام كي «يحرموا الإخوة والأقارب تبادل الكتب». كذلك عقّب متري على هذا الموضوع متحدّثاً عن تخمة في السوق من جرّاء زيادة عدد الكتب المستعملة والكتب القديمة التي لا تصلح للاستخدام بعدما تغّيرت الطبعة. ويبقى الحل على لسان أم كريم «ليس لنا سوى بطاقات الاعتماد ورحمة الله كي يمر هذا الشهر على خير».


وجد أصحاب المكتبات حلاً فعالاً لبيع الكتب المستعملة إذ يعمدون إلى توظيف شبان لإعادة تأهيل الكتب عبر تنظيفها ومحو كل ما كتب عليها لتعود جديدة، فلا يظهر الفرق بين الاثنتين. هذه الكتب تسمّى «المستعملة ـ النظيفة» أو «المستعملة ـ الجديدة».

وجد زاكي أنطون الذي يعمل في مكتبة لأول مرة صعوبة في التمييز بين الطبعات المختلفة للكتاب الواحد، فكان الناس في بداية الموسم يأتون لبيع الكتب المستعملة، فيشتريها أنطون، إلى أن اكتشف لاحقاً أنها غير صالحة للاستخدام، فـ«أكلنا الضرب»، يقول ممازحاً.

لقطة

«الإمارات أكرم مني؟»


عرض أحدهم على معين متري، صاحب مكتبة الأمانة، بيع كتب أولاده المستعملة، وعندما أجابه متري أن سعرها لا يتجاوز 20 ألف ليرة لبنانية، بعدما انخفض سعر كتب المدارس الرسمية بفضل الهبة الإماراتية منذ عامين، قال الزبون ممازحاً «ما بدي بيعا، بدّي اتبرع فيها، شو الإمارات أكرم مني؟».