نضال حمدما زال الوفاء لذكرى صبرا وشاتيلا وشهداء المجزرة من الضحايا الأبرياء موجوداً لدى مجموعة من الأصدقاء الدوليين، وفي المقدمة منهم الأصدقاء الإيطاليون، هؤلاء الذين حرصوا دوماً على المشاركة في مكان حدوث الجريمة الرهيبة للتذكير بالضحايا من الأطفال والنساء والشيوخ، وبأهالي المفقودين من أبناء المخيمين الذين ما زالوا ينتظرون ويريدون معرفة مصير أبنائهم المفقودين منذ المجزرة. كذلك للتذكير بالمجرمين الذين قادوا عمليات القتل الجماعي في المخيمين، وخاصة أن هناك الكثيرين منهم ما زالوا طلقاء وأحراراً. ومنهم أيضاً من يتمتع بوضع حزبي وبرلماني وسياسي.
هؤلاء نراهم في الفضائيات يلقون المواعظ والدروس على الشعب اللبناني والأمة العربية، ولا يخفون عداءهم للفلسطينيين ووجودهم في بلاد الأرز. كما أنهم بمناسبة ومن دون مناسبة، يتحدثون محرّضين على الوجود الفلسطيني في لبنان، وعلى سلاح الفلسطينيين في المخيمات. وكأن معركة بيروت الأخيرة بين اللبنانيين أنفسهم لم تظهر أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة التي كانت وما زالت مخزّنة في بيوت اللبنانيين.
يريدون نزع السلاح ويرفضون بالمقابل مجرد التفكير بفتح ملف المذبحة، أو إعطاء ضمانات لأمن سكان المخيمات وحياتهم. أهل المخيمات الفلسطينية في لبنان لا يريدون أن يلدغوا من الجحر نفسه مرة عاشرة... ويكررون دائماً منذ وصلوا إلى لبنان سنة 1948 جراء نكبتهم، وتشريدهم من فلسطين: لماذا ترفض الدولة ومعها البرلمان اللبناني الذي من المفترض أنه يمثل الشعب اللبناني الشقيق إعطاءهم أبسط الحقوق الإنسانية، المدنية والقانونية؟ فأوضاعهم في لبنان مأساوية بعلم الدولة، وبسبب سياساتها التي لا مثيل لها في العالم الحديث.
في لبنان، يفعلون ذلك بالرغم من عدم وجود رغبة عند الفلسطينيين بالتوطين أو البقاء في لبنان. فحجم الإذلال والإجرام بحقهم كبير وقديم وجديد، ويتجدد كل يوم. من مذابح مخيمات تل الزعتر وجسر الباشا وضبية سنة 1976ـــ1977 مروراً بمذبحة صبرا وشاتيلا 1982 وحرب المخيمات 1984ـــ1987، إلى السحل والقتل على الهوية في فترة الحرب الأهلية.
وتتالت المجازر بعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت سنة 1982، وبعد مجزرة صبرا وشاتيلا التي حدثت في أيلول 1982، أي قبل 26 عاماً، وكنت شخصياً إحدى ضحاياها. وكانوا السبب المباشر في هجرة آلاف الفلسطينيين إلى أوروبا والأميركيتين. فهل من الخطأ أن يحصل الفلسطيني على حقوقه في لبنان مثلما هي الحال في الدول العربية الأخرى؟ وهل توطين بعضهم لأسباب مذهبية وطائفية وسياسية مسموح بالرغم من كل ما يقال عن التوطين في لبنان؟
يصاب الإنسان بالغضب حين يرى قائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع وهو يتحدث للفضائيات والمحطات المحلية اللبنانية والعربية. فهذا الشخص هو الذي قاد الفاشيين المحليين برفقة الصهاينة ومجرمهم الشهير شارون لينفذوا معاً وبتنسيق متفق عليه مسبقاً، المذبحة بلا شفقة وبدون رحمة وبكل قساوة ووحشية ودموية وحقد وإرهاب وإجرام. وبحجة الوضع الأمني والمشاكل والسلاح داخل المخيمات، يحاصر الجيش اللبناني اللاجئين ويضيّق عليهم ليل نهار. ويمنعهم من إدخال المواد اللازمة للبناء والترميم وغير ذلك.
أما جدارهم العازل الذي يشبه جدار العزل الصهيوني في فلسطين المحتلة، والملتف حول مخيم عين الحلوة، فيُعدّ وصمة عار على جبين كل لبناني، سواء كان من أتباع الغرب والصهاينة أو من أتباع الشرق والعروبة والمقاومة. كما هي وصمة عار حرية سمير جعجع قائد مجزرة صبرا وشاتيلا. وكما هي وصمات العار موجودة في الجانب المذكور، فنحن نجدها أيضاً هذه الأيام داخل مخيم عين الحلوة نفسه حيث يوفر المتقاتلون للجيش ذرائع جديدة لتعزيز سياسته الإذلالية على الحواجز، وتضييق الخناق. إذ ما معنى أن يبقى أكبر مخيم في لبنان رهينة للصراعات المسلحة والقتل والاغتيالات بين بعض المجموعات الخارجية والداخلية.
هؤلاء خارجون حتى عن قانون ارحموا أنفسكم وارحموا أهاليكم وأطفالكم. واحترموا شهر رمضان وصيامكم. فبدلاً من أن يذهب الفلسطينيون مع أصدقاء قضيتهم وأنصارها الذين جاؤوا من كل الدنيا لإحياء ذكرى ضحاياهم في صبرا وشاتيلا، نجدهم يقتتلون ويشتبكون في عين الحلوة. وكذلك في قطاع غزة، حيث من أجل اعتقال شخص واحد مطلوب للعدالة، تحصل اشتباكات تستعمل فيها الصواريخ والرشاشات ويُقتل 12 فلسطينياً ويجرح حوالى مئة.
هؤلاء الذين لا يحسبون الحساب لأرواح الناس من عامة الشعب، كيف نطلب منهم إحياء ذكرى صبرا وشاتيلا والمطالبة بمحاكمة المجرمين المسؤولين عنها؟ وكيف نترجم لأصدقائنا الطليان والنرويجيين والسويديين وغيرهم أسباب القتل المتبادل في عين الحلوة وقطاع غزة...
إن أرواح شهداء صبرا وشاتيلا وكل فلسطين تدين أفعالهم وتطالبهم بالعودة إلى لغة الحوار واستخدام اللسان والعقل لا السلاح والقتل.