خالد صاغيةحمل تشويه أضرحة شهداء المقاومة الوطنية اللبنانية في كفررمان عشيّة ذكرى انطلاقة هذه المقاومة دلالةً رمزيّةً هامّة. فكثيرون يودّون لو تُمحى عبارة «جمّول» من الذاكرة، ولو أنّ الحزب الشيوعي اللبناني لم يكن أباً لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي. لكن من سوء حظّ هؤلاء أنّ الشيوعيّين هم الذين اخترعوا المقاومة في لبنان، وهم الذين لم يضيّعوا البوصلة، فبقوا على عهدهم في دعم المقاومة حتّى حين انتقلت إلى أيدي سواهم. ليس سهلاً أن يكون حزب ما مصرّاً على أن يبقى حزباً شيوعياً، في بلد كلبنان حيث لا مكان لسياسة لا يقوم بها أمراء الطوائف، ولا مكان لنضال لا يتأقلم مع الحفاظ على المصالح الطبقيّة لكبار التجار والمستوردين وأصحاب المصارف والمضاربين العقاريّين. حتّى الصناعيّون، عليهم أن يبرزوا أنيابهم من حين إلى آخر كي يحصلوا على حصّتهم المتنازع عليها مع باقي الرأسماليّين.
لذلك، لم تكن صدفة أن تتّفق أطياف النظام اللبناني منذ نشوء هذا الكيان على محاربة وصول أيّ ممثّل للحزب الشيوعي إلى الندوة البرلمانيّة. كان ذلك قبل أن يصبح الرجوع إلى قوانين تعود خمسين عاماً إلى الوراء موضةً، وقبل أن يصبح التجديد اليساري يعني الوقوف سياسياً في خندق الإمبرياليّة، واقتصاديّاً في خندق النيوليبراليّة. كان ذلك أيضاً قبل أن يصبح مجرّد ذكر دور الحزب الشيوعي في المقاومة عملاً شاقّاً لا يقوى عليه المقاومون الجُدد.
ليس سهلاً أن يستمرّ أيّ حزب شيوعيّ في الوجود بعدما استُغِلّ انهيار النظام السوفياتي للانقضاض على المكاسب التي حقّقتها الطبقة العاملة بالعرق والدم في جميع أنحاء العالم. فالمقصود بتهميش الأحزاب الشيوعية، في لبنان وفي العالم، ليس محاربة تنظيم سياسي بعينه، بل محاولة إسقاط فكرة ألهمت المناضلين والفنانين والعمّال والمثقفين طوال أكثر من قرن، وهي فكرة مقاومة التسلّط الطبقي. فكرة اختراع بديل من تقسيم العمل ونمط الإنتاج الحالي الذي لا يستقيم من دون عمليات الاستغلال. لقد بات مجرّد الحديث عن العدالة الاجتماعية يصنَّف في عداد اللغة الخشبيّة، فكيف بالحلم بنظام اقتصادي جديد؟ ثمّة من يريد لهذا الحلم أن ينتهي.