إن «التضحية» عبر عدم تناول اللحوم يوماً واحداً في الأسبوع تمثّل مساهمة فردية فعّالة في مواجهة المشاكل البيئية والصحية. في بلدة عمشيت، وجدت «لورانزا زغيب» طريقة لخفض استهلاك اللحوم من خلال استبدالها بالقمح
يستورد لبنان 80% من اللحوم التي يستهلكها المواطنون، ما يثقل بقدر لا يستهان به الميزان التجاري. فنحن نستهلك حوالى 50 كيلوغراماً من اللحوم سنوياً، أي ما يوازي تقريباً ضعف معدلات الاستهلاك في الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا. إلا أن هنالك مشاكل عديدة تتعلّق بتناول اللحوم: فكثرة استهلاكها ترتبط بارتفاع احتمالات الإصابة بأمراض القلب والشرايين وبالسرطان. وذلك بسبب طريقة إنتاجها «الصناعية المكثفة» والدهون التي تحتويها.
بالإضافة إلى ذلك، طوّرت المواشي إزاء المضادات الحيوية التي يعالجها بها أصحاب المزارع (فهي أصبحت تمرض كثيراً جراء استبدال غذائها النباتي بالحبوب التي يعجز جهازها الهضمي عن استيعابها)، نوعاً من البكتيريا مقاوماً للمضاد الحيوي الذي يعالج به البشر.
نتيجةً لذلك، أصبحت هذه الحيوانات تتسبّب بأنواع المشاكل الصحية التي يعاني منها أثرياء سكان العالم: أمراض القلب، وبعض أنواع السرطان، والسّكري. وذلك بالرغم من صحة الحجّة التي تفيد بأن اللحوم تمدّ الجسم بالبروتينات المفيدة، شرط أن تستهلك باعتدال وبكميات قليلة.
كذلك، يرتبط إنتاج اللحوم بقضايا أخرى تتعلّق بمبادئ الإنصاف والتوزيع العادل للمصادر.
إن إنتاج اللحوم يعتمد كثيراً على إنتاج الحبوب، وخصوصاً الذرة والصويا التي تستخدم علفاً. فارتفاع الطلب على اللحوم يستتبع تلقائياً ارتفاعاً في الطلب على تلك الحبوب، ما يؤدي، في النهاية، إلى ارتفاع ثمن الغذاء. إن نتائج هذه العلاقة السببية قد تكون مأساوية بالنسبة لسكان الأمم الفقيرة، وخصوصاً إذا أدّت أسعار العلف المرتفعة إلى تخصيص المساحات الزراعية لإنتاج العلف بدل إنتاج الغذاء الإنساني.
ففيما يعاني 800 مليون شخص على الكوكب اليوم من الجوع وسوء التغذية، تستخدم النسبة الأكبر من محاصيل الذرة والصويا المنتجة عالمياً لتغذية المواشي والخنازير والدواجن. وذلك بالرغم من عدم «فعالية» إنتاج اللحوم: إذ يستلزم إنتاج الكمية ذاتها من السعرات الحرارية من خلال المواشي كميات من الحبوب تفوق مرتين إلى خمس مرات تلك المنتجة من خلال استهلاك الحبوب المباشر.
وتصبح الكمية أكثر بعشر مرّات في حالة المواشي التي تعلف بالحبوب في الولايات المتحدة.
إن تأثير إنتاج تلك الكميات المتزايدة من الحبوب بهدف تغذية الحيوانات كبير على البيئة: فقد قدّرت منظمة الغذاء والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) نصيب إنتاج اللحوم من انبعاثات الغاز العالمية التي تتسبب بها «الخيم الزراعية» بنسبة خمس تلك الانبعاثات.
تنتج هذه الانبعاثات عن عملية إنتاج العلف وعن عملية هضمه، فالحيوانات التي تجترّ، كالأبقار مثلاً، تصدر «غاز الميتان»، الذي تفوق خطورته خطورة ثاني أوكسيد الكاربون بنسبة 23 مرة أكثر كعامل مساهم في الاحتباس الحراري. بالإضافة إلى ذلك، حذّرت المنظمة من احتمال تضاعف نسب استهلاك اللحوم مع حلول منتصف القرن الحالي.
وأكّد أحد المسؤولين الكبار في «الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ» (التابعة للأمم المتحدة) التي توزّعت خلال العام الماضي جائزة نوبل للسلام، أنه على الناس خفض معدلات استهلاكهم للحوم إلى يوم واحد في الأسبوع على الأقل، لأن ذلك سيعود بالفائدة على صحتهم وعلى البيئة.
إن خيارات استبدال اللحوم بمكونات أخرى متوافرة، حتى بالنسبة للأطباق المرتكزة على اللحوم. أشهرها «التوفو»، المصنوع من حبوب الصويا المختمرة، وأقلها شهرة بديل مصنوع من القمح اهتدت إليه منذ 12 عاماً الأختان لورنزا ومارتا زغيب، وقريبتهما لوسي، تستخدمنه لإنتاج الغذاء الصحي في فرنهن الكائن في منطقة عمشيت اللبنانية: «فرن الصبايا».
هناك، تحضّر الصّبايا جميع أنواع المأكولات اللبنانية من القمح الكامل والخميرة البلديّة واللحمة النباتيّة المصنوعة من بروتين «الغلوتين».
يستخرج هذا البروتين من الدّقيق العادي الذي يعجن ويغسل بطريقة معيّنة لتبقى منه مادّة تسلق مع الصويا والمطيّبات، فيصبح لونها غامقاً قريباً من لون اللّحمة.
تبيع الصبايا «اللحم القمحي» جاهزاً للاستهلاك المنزلي، أو يصنعن منه منتجات غذائية أخرى كالشاورما والكبّة بالصينيّة، ولحمة البرغر.. الخالية من اللحم.
وتنصح مارتا بتناول هذا البروتين «مرّتين أو ثلاثاً في الأسبوع، إلى جانب الخضار والألياف لتعطي الغذاء الكامل».
زبائن فرن الصبايا كثر، لبنانيّون وعرب، يعتمدون نظام الأكل الصحيّ على سبيل الوقاية، أو لاحتواء مشاكل صحية معيّنة يعانون منها.
(الأخبار)