إبراهيم الأمينلا يحتاج أحد من الناس في لبنان إلى من يؤكد له أن المصالحات الأهلية التي تمنع الاقتتال والفتنة ضرورية. ولا يحتاج السياسيون أنفسهم إلى فهم هذا المعنى وهم يقدمون على خطوات لا بد منها في بلد لن يقدر مخلوق على حكمه بمفرده ولو كان العالم كله معه.
كذلك لا يحتاج أحد من العاملين على هذا الخط والمتأثرين بنتائج الجهود إلى من يدلّه على أن لكل هدوء وتصالح كلفته، وهي كلفة ليست بثقيلة إذا ما قورنت بالتوتر، والدماء وانقطاع التواصل وسبل العيش، وهذا وحده يحمل الإشارة الأقوى إلى أنه لا يمكن فئة أن تعيش وحدها، ولو أُنفق عليها ما لم يُنفق على شعوب، ولو لفّت نفسها بجدران عازلة أو حمت بواباتها بالنار.
لكن ما يحتاج إليه لبنان في هذه اللحظات، ليس تبادل الإطراء والرغبات بعيش أفضل، بل برنامج سياسي يجعل أي انقسام يحصل محصوراً في الإطار السياسي فقط، وحتى إذا تطوّر إلى عمل عنفي، لا يكون العنف الأعمى الذي يفصل بين الناس بحسب الألوان والمذاقات واللهجات والمذاهب والأديان، وهذا البرنامج لا يبدو أنه سيأتينا من أيّ من القوى السياسية الفاعلة الآن على الساحة، ومهما قيل في ما يجري من خطوات، فإن ما لا يقال هو الأكثر خطورة، وهو أن القوى التي تمثّل طوائفها بقوة أو بأقل، ليست الآن في وضع من يريد التنازل ولو قليلاً، وهذا يعني ببساطة، أن الأقليات الموجودة داخل كل طائفة تسعى إلى ما هو متجاوز لها، وليس أمامها سوى رفض تكريس الوقائع الحالية، وهذا لا يكون بمعارضة قانون الانتخاب الذي سيقرّ سريعاً، وإذا كانت الواقعية السياسيّة تقول باستحالة تمرير قانون أكثر عدالةً، فإن الاعتراض الممكن هو بمقاطعة الانتخابات المقابلة، ليس رفضاً لممارسة ديموقراطية محقّة من جانب جمهور كل القوى المتنافسة، بل بوصفه أسلوباً ديموقراطياً مثله مثل تجاوز الأغلبية لبقية الشركاء أو احتكام الأقلية للثلث المعطّل.. لكن قيمته تكمن في القول إن أقلية عابرة للطوائف والمناطق ترفض تكريس ما هو سيّئ لأجيال وأجيال!