فداء عيتانيإذا كانت السياسة اللبنانية جرثومة، فإنّ السياسيّين في هذه البلاد هم كالدجالين المدّعين مداواة المرضى بالأعشاب الطبيعية. يتشابه أركان الطرفين في أكثر من منحى، كالثقة التي يبدونها وهم يتحدّثون، ووصفهم ألف علاج طبيعي لأمراض قليلة، والظهور المتكرّر تلفزيونياً لبث الدعاية، وسرعة التحوّل من «الأدوية الشافية» إلى «المتمّمات الغذائية». إلا أنّ السياسيّين في هذه البلاد يمتازون بوقاحة استثنائية، فهم يتحدثون عن «جرثومة السياسة»، بحسب تعبير وليد جنبلاط، الذي يخشى على الجيش منها، وعلينا بالتالي تجنيبه الدخول في تجربة الاقتراع. ودائماً بحسب صيغة التعامل مع الجيش بصفته قاصراً علينا حمايته، وبوصفه «مؤسسة لم تدخلها الطائفية»، علماً بأن توزيع المناصب فيه طائفي بامتياز. أضف الى ذلك أنه، عند كل نزاع أهلي، يتحدّث السياسيّون عن ضرورة تجنيب المؤسّسة العسكرية الصراع «حتى لا ينشق الجيش»، علماً بأن القوات اللبنانية، على لسان نائبها أنطوان زهرا، أشارت الى تدخل الاجهزة والعكسر المتقاعدين في الانتخابات، فهل تدخل الاجهزة أكثر أمناً من انتخاب الجنود، أم هو جزء طبيعي من العملية الديموقراطية؟ وإذا كانت جرثومة السياسة لم تصب الجيش بعد، فكيف وصل بعد الحرب الاهلية قائدان للجيش الى رئاسة الجمهورية، وأحدهما حكم تمديداً تسعة أعوام متتالية؟
لا شك في أن السياسة، كما يمارسها أمراء الطوائف، ليست أكثر من جرثومة، لم تنفع معها مضادات اليسار الحيوية، ولم تخفف من حدتها مسكنات النقابات، بل تمكنت من التغلب على كل العلاجات، تحديداً بفضل الطبقة السياسية الطائفية الحالية، التي تعيد إنتاج نفسها بصيغة شباب متحمّسين للوصول الى المناصب (راجع سيرة الوزراء وائل أبو فاعور وزياد بارود وجبران باسيل وعدد من النواب أبرزهم مصباح الأحدب وأحمد فتفت وميشال فرعون وغيرهم كثر).
وما دامت السياسة جرثومة، فإن من المفيد عدم إعطاء الشبان في سن 18 حق الانتخاب، والاكتفاء بتحميلهم المسؤولية القانونية عن أعمالهم دون أية حقوق. ومن الأسلم أيضاً ترك النساء دون كوتا نيابية، وربما إعادة سحب حق التصويت منهن، ومنعهنّ من التلوّث بهذه الجرثومة.
يوماً إثر يوم، يصعب التمييز بين الطبيب الدجّال والسياسي الماهر.