غادة نجار«اللقاحات الاستباقية» قد تكون أحد الحلول للوقاية من إنفلونزا الطيور، وقد بدأ العملاء العمل لتطوير هذه اللقاحات بشكل ناجح. هذا ما أكده المشاركون في المؤتمر الثالث للمجموعة العلمية الأوروبية للإنفلونزا ESWI الذي عُقد أخيراً في مدينة فارو البرتغالية. هذه المجموعة تنسّق منذ تأسيسها عام 1993 بين جهود مراكز الدراسات والأبحاث والمسؤولين السياسيين وأعضاء الجسم الطبي حول العالم، في متابعة حثيثة لتطور فيروسات الإنفلوانزا، ومنها وأهمها اليوم إنفلوانزا الطيور. كل ذلك بالتعاون الكامل مع وكالة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة الـ OMS. وقد أكد المجتمعون أن العالم لم يتحضر يوماً لمواجهة وباء كما يتحضر منذ عشر سنوات لمواجهة وباء إنفلوانزا الطيور. وقد ذكّر الحاضرون بالوباء الذي عُرف باسم الزكام الإسباني والذي حصد بعد انطلاقه عام 1918 نحو 40 مليون ضحية حول العالم، وهو رقم يفوق ما حصدته الحرب العالمية الأولى، وذلك من أصل 1.5 مليار هم عدد سكان العالم في ذلك الزمان. أما اليوم فإن هذا العدد الأخير قد بلغ 6.8 مليارات شخص يتمتعون باستخدام وسائل نقل حديثة تسمح لهم بالسفر إلى أقاصي الأرض بسهولة وسرعة، حاملين معهم أمراضهم وأوبئتهم. هل هذا يعني أننا يجب أن نخشى أن يتحول في المستقبل القريب وباء إنفلوانزا الطيور إلى خطر داهم، قد يودي، في ظل التطور في وسائل النقل، بحياة أعداد أكبر من الضحايا؟ الإجابة هي النفي، لأن التصميم والدقة والمثابرة التي بادرت إليها الـ OMS منذ عشر سنوات، وما زالت، في متابعة تطور فيروسات الإنفلوانزا في جميع بلدان العالم، والإنجازات التي حققتها مراكز الأبحاث المختلفة في مجال استنباط مضادات الفيروسات وأساليب الوقاية منها، ولا سيما إنتاج لقاحات فعالة، هذه الجهود مكّنت العلماء من البدء في عملية إنتاج سوف تكلل بالتوصل إلى لقاحات تُعدّ ثورة في عالم اللقاحات، وهي لم تكن موجودة منذ سنتين، ونعني هنا اللقاحات الاستباقية التي تسبق لأول مرة الفيروس بخطوة، لأنها تستشرف مرحلة التطور التالية التي من المرجح أن ينمو باتجاهها وتجهّز له المضاد المناسب. هذه الدراسات نالت الضوء الأخضر في أوروبا في نيسان الماضي.
لكن الأمور لا تحصل ببساطة وسهولة، فرغم أن ألبرت أوسترهاوس رئيس المجموعة الأوروبية ESWI قد رأى أن هذا الإنجاز يقربنا من حسم المعركة مع هذا الوباء الجديد، إلّا أن البروفيسور برونو لينا سلّط الضوء في المؤتمر على حقيقة أن العلماء لم يواجهوا في صراعهم مع هذه الفئة من الفيروسات منذ عام 1959 وحتى يومنا هذا، والتي بلغ عديدها 25 نوعاً من الجراثيم، فيروساً صمد طوال هذه المدة الزمنية متنقلاً بين الطيور ومنها إلى الإنسان، أي طوال خمسة عشر عاماً منذ تسجيل أولى الإصابات في أندونيسيا.
والواقع أنه حتى يومنا هذا أصيب 387 شخصاً بإنفلوانزا الطيور في 15 بلداً، مات منهم 245 ضحية. لذا يضيف البروفيسور لينا أن حقيقة تقدمنا على الفيروس بخطوة واحدة رغم أهميتها لا تسمح لنا بالتقاعس عن مراقبة تطوره بشكل شبه يومي، لأن هذا النوع من الأخطار يجب أن يواجه على المدى الطويل. ويُعدّ البرنامج الفرنسي الأكثر اكتمالاً بين جميع البرامج التي اعتمدتها دول أوروبية مختلفة من أجل اتخاذ الإجراءات المناسبة في مواجهة الوباء AH5N1. ويدرس المعنيون الآن النسخة الرابعة من هذا البرنامج المتكامل التي تتضمن خطوات شاملة لمواجهة الوباء على مختلف الأصعدة، وسوف تقدم اللجنة المسؤولة اقتراحاتها وتوصياتها إلى المدير العام للصحة ديديه هوسان خلال شهر أو شهرين كحد أقصى. هذا ما أكّده البروفسور برونو لينا خلال مؤتمر صحافي عُقد على هامش المؤتمر الثالث للـ ESWI في البرتغال.