رامي زريقتُعدّ التقاليد الغذائية من أهم عناصر المخزون الثقافي المحلي. لذا أصبحت موضع اهتمام العديد من المؤسسات الدولية المعنية بالثقافة والعلوم. تعقد هذه المؤسسات اجتماعات دورية، تناقش خلالها طرق الحفاظ على الغذاء التقليدي وأساليبه. كما أنها تحدد حقوق الملكية الفكرية التي يملكها نظرياً أفراد المجتمعات والأوطان التي ولدت فيها المنتوجات التقليدية. ولهذه الحقوق أبعاد ثقافية ومادية وسياسية.
لهذا السبب أصرّت اليونان على نيل الاعتراف بملكيتها الفكرية لجبنة «الفيتا» (Feta) التي تشبه ما نسمّيه في لبنان بالجبنة البلغارية. منعت اليونان أي منتج غير يوناني من إطلاق اسم «فيتا» على منتجه، فاختفت من الأسواق الأوروبية الفيتا الدنمركية والهولندية، واغتنى المنتجون اليونانيون، وكسبت اليونان أيضاً على الأصعدة الثقافية والسياسية، إذ إنها تميّزت عن البلدان المجاورة وأثبتت وجودها الثقافي وامتداداته التاريخية. ويروي أحد الاختصاصيين في مجال الغذاء التقليدي أنه خلال انعقاد أحد المؤتمرات المتوسطية، توجّه ممثل إسرائيل بطلب لحماية اللبنة التي وصفها بأنها منتوج تقليدي إسرائيلي، وما إن أنهى مداخلته حتى انهمرت عليه الانتقادات... من الجانب اليوناني الذي احتجّ بشدة على محاولة الإسرائيليين اختطاف ما هو، في رأيهم، إرث متوسطي. انتهى النقاش بالاتفاق على القبول بمبدأ ملكية إسرائيل الفكرية لتسمية اللبنة، لكن ليس لطريقة تصنيعها. ويروي الاختصاصي أنه بالرغم من وجود العديد من المندوبين العرب المنتمين إلى بلدان التطبيع، إلا أن جفناً لم يرف لهم، ولم يحركوا ساكناً.
مسموح لإسرائيل أن تنهب الثقافة العربية وأن تتملّكها شرط ألاّ يؤثر هذا سلباً على مصالح البلدان الأوروبية، ولمَ لا ما دام القاضي راضياًَ.