لانخفاض الدخل وارتفاع أسعار الغذاء التي يعاني منهما العالم أجمع وقع أعنف في فلسطين. فقد أدت هذه العوامل إلى تفاقم حالة انعدام الأمن الغذائي التي يعاني منها سكان الضفة الغربية وقطاع غزة. وإلى أن يتغير الوضع السياسي، سيبقى الحل الوحيد هو المساعدات
ليس انعدام الأمن الغذائي في غزة وفي الضفة الغربية نتيجة عوامل اقتصادية فحسب، فالوضع السياسي وتقطيع أواصر فلسطين الجغرافية اللذان يمارسهما الاحتلال يلعبان دوراً أساسياً في ازدياد حدة الأزمة. هذه هي النتيجة التي خلص إليها تقرير مشترك صادر عن برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأغذية والزراعة ووكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
وجاء في هذا التقرير الصادر تحت عنوان «التقييم السريع للأمن الغذائي في الأرض الفلسطينية المحتلة» أن «الطبيعة السياسية للمنطقة تمثّل السبب الرئيسي وراء انعدام الأمن الغذائي بين الفلسطينيين». وأضاف أن الأسباب الأخرى تتمثل في القيود الإسرائيلية المفروضة على الحركة، وتعذر الوصول إلى الأرض والمياه، وامتداد جدار الفصل، وتوسع المستوطنات الإسرائيلية.
وقد ارتفع انعدام الأمن الغذائي في الأراضي الفلسطينية المحتلة بنسبة 4% عن عام 2006، ويعاني منه اليوم حوالى 38% من مجموع السكان، وهي نسبة ترتفع في غزة لتشمل أكثر من نصف السكان تقريباً. كما أشار التقرير إلى أن حوالى 44% من اللاجئين المسجلين لدى الأونروا يعانون من انعدام الأمن الغذائي.
وبالرغم من وعود بعض الجهات السياسية ذات التأثير بإعادة تأهيل الاقتصاد، إلا أن حوالى ثلث الفلسطينيين اشتكوا من انخفاض دخلهم خلال السنة الماضية، حيث أصبح حوالى 37% من المسؤولين عن كسب لقمة العيش داخل أسرهم في غزة عاطلين عن العمل، شأنهم في ذلك شأن حوالى 27% من أقرانهم في الضفة الغربية. وينفق الناس في الضفة الغربية حوالى 56% من دخلهم على الغذاء، فيما تصل هذه النسبة إلى 66% في قطاع غزة. أما الناس الأكثر فقراً فهم ينفقون حوالى 75% من كل دولار يكسبونه على طعامهم.
ووفقاً لهذا التقييم، ارتفع مؤشر أسعار المواد الاستهلاكية بحوالى 15% خلال العام الأخير في الوقت الذي ارتفع فيه سعر دقيق القمح بنسبة 70%.
وشهدت أسعار العديد من المنتَجات المحلية ارتفاعاً صاروخياً بسبب الحصار المفروض على غزة من جهة، وموجات الجفاف والصقيع التي ضربت الضفة الغربية من جهة أخرى. وبالرغم من عدم قدرة المزارعين على تصدير منتجاتهم، وقيامهم بدل ذلك ببيعها في السوق المحلية بأسعار مخفّضة، إلا أن ذلك لم يساهم في تحسين الأوضاع إلا قليلاً جداً، إذ يتعلق الأمر هنا بمنتجات لا تعني الكثير للمستهلك المحلي مثل الفراولة والزهور والطماطم الكرزية.
وأعربت المنظمات الثلاث عن قلقها حيال صحة القطاع الزراعي بشكل عام، وخصوصاً في قطاع غزة الذي يُفرَض فيه حظر عام على الصادرات، وعلى واردات الكثير من المستلزمات مثل البذور والأسمدة. وفي هذا الإطار، أفاد أحد خبراء منظمة الأغذية والزراعة بأن المشاريع الزراعية، بما فيها تلك التي تهدف إلى إنتاج مجموعة مختلفة من المنتجات الغذائية لا تمثّل سوى جزء من الحل اللازم للأزمة الغذائية التي تلوح في الأفق.
وحذرت المنظمات الثلاث من أن معاناة الفلسطينيين منذ حوالى ثمانية أعوام من النزاع المكثف والقيود الصارمة جعلتهم يستنفدون آليات التأقلم التي من شأنها أن تساعدهم على مواجهة الأزمة الراهنة. وأشارت إلى أن 59% منهم يعتمدون على الديون لشراء احتياجاتهم من الغذاء، بعد أن اضطروا لبيع مجمل ممتلكاتهم أو كلها، كما أن هذا الحل، على عدم فعاليته، قد لا يكون متوافراً لمن لا يملكون دخلاً مستقراً. ولمواجهة الارتفاع المتزايد في الأسعار، اضطر العديد من الأشخاص، بالإضافة إلى إحجامهم عن دفع فواتير الماء والكهرباء وغيرهما، لتقليص كمية الغذاء الذي يستهلكونه وجودته، وذلك بالرغم من تحذير منظمات الإغاثة من أن هذا السلوك قد يتسبب في عواقب صحية وخيمة على المدى البعيد، وخصوصاً في ظل انخفاض الإنفاق العام على الصحة والتعليم.
وأفاد حوالى 60% من سكان غزة أن المساعدات الدولية تمثّل مصدراً ثانوياً للدخل. غير أن ارتفاع أسعار الغذاء وزيادة التكاليف الإدارية لمنظمات الإغاثة بسبب الارتفاع العالمي لأسعار الوقود أصبح يعني أن المساعدات الدولية لم تعد قادرة على تحقيق ما كانت تحققه في الماضي.
بالإضافة إلى ذلك، فإن السلطة الفلسطينية ذات الاستقلالية المحدودة جداً تجد نفسها عاجزة عن القيام بأية تغييرات في السياسة المالية للمساعدة في حل الأزمة.
وقد أفاد أحد موظفي الإغاثة الرفيعي المستوى أن «توافر حرية الحركة وغيرها من التغييرات السياسية والعسكرية كفيلة بتخفيف الأزمة، لأن الناس من دونها سيستمرون بالاعتماد على المساعدات إلى الأبد».
(الأخبار)