تتحفّظ مارتين باديلا، إحدى أهم الباحثات في الاقتصاد الغذائي في مركز «الدراسات العليا المتوسطية» في مونبولييه، على وجود «غذاء متوسطي»، وترى، في المقابل، أن هنالك خصائص مشتركة لنمط غذاء مواطني البلدان المتوسطية. تتضمن هذه الخصائص استهلاك الأشخاص، يومياً، كمية متشابهة من السعرات الحرارية التي تتراوح بين 3130 و3560 كيلوكالوري، تنوّع المذاقات، وتقنيات تحضير الطعام.إلا أن النزاع الذي يعيشه المتوسّط أخيراً بين الحداثة والتراث قد ولّد ازدواجية واضحة تجلّت في شمالي المتوسط، على شكل ارتفاع معدلات استهلاك اللحم، بينما شهد الجنوب ارتفاعاً في معدلات استهلاك المنتجات المرتكزة على الحبوب وعلى السّكر أيضاً.
تعكس هذه التوجهات تبدّلاً حلّ بأسلوب الحياة. فلقد أبعد التّمدن المواطنين عن مصادر الغذاء، كما أدى ارتباط الزوجين بعمل إلى افتقادهما الوقت الكافي لإعداد وجبات غذاء مركّبة، وارتياد الأطفال المدرسة إلى تشجيعهم على تناول الوجبات المعدّة سريعاً التي تؤثّر على تشكيل حاسة التذوق لديهم وتطوّرها. تستجيب الأسواق لهذه التغيرات عبر تكثيف الإنتاج الصناعي لمنتجات سعراتها الحرارية مرتفعة وغنية بالسّكر والدهون.
نتيجة لذلك، يشهد جنوب حوض المتوسط الفقير انخفاضاً في استهلاك المنتجات الطازجة، بينما ترتفع في شماله معدلات استيرادها.
وغالباً ما يكون الجنوب، الذي يعتمد سياسات مبتلية بــ«ثقافة التصدير» هو مصدر هذه المنتجات.
بالتالي، حقق معظم الناس أمنهم الغذائي على المستوى الكمّي، في مقابل تدهور المنحى النوعي من هذا الأمن. وهذا الواقع يقود إلى حالة من التناقض تسيطر على البلدان الفقيرة، التي كانت تعاني حتى وقت قريب نقصاً في الغذاء، وتمثّل اليوم البدانة والوزن الزائد إحدى أهم مشكلاتها. فقد أصبحت أمراض الأغنياء اليوم أمراضاً تصيب الفقراء. فمعدّل الحالات في مصر هو 23% للبدانة و63% للوزن الزائد.
بدانة الأطفال هي في ازدياد أيضاً. كنتيجة لذلك، ترتفع حالات المرضى بالسّكري، ويسهّل ارتفاعها الجهوزية الجينية لسكان المنطقة للإصابة بها.
يعود على الدّول المعنيّة، في سبيل معالجة هذا الوضع وتصحيحه، أن تواجه بعض التحديات، ومنها: تأسيس نظام غذائي يراعي الاعتبارات الصحية ودعمه، إعادة إحياء تجارة المنتجات الغذائية التقليدية لما تحتويه من قيمة غذائية عالية، فرض سياسات زراعية تعزّز الأمن الغذائي، وتعزيز الرقابة الصحية على المنتجات.
إن المال ليس العامل الحاسم في مجال خيارات المستهلك حين يتعلّق الموضوع بشراء الطعام. فالثقافية الغذائية هي عامل لا يقل أهمية عنه. وبناء ثقافة تناول الطعام المغذّي يبدأ من المدرسة.