إيلي شلهوبتبدو إسرائيل، منذ مدة، وتحديداً منذ عدوان تموز على لبنان، أكثر ألفة: القلق تحوّل عنصراً مركزياً في كينونتها، والارتباك عاملاً ملازماً لصناعة القرار فيها. أما الوهن فبات إحدى صفاتها الأساسية، على الأقل في عيون «العدو»، بعدما تحطّمت أسطورتها على تراب الجنوب. سقط ثالوثها الاستراتيجي (الردع ونقل المعركة إلى أرض العدو والحسم السريع)، الذي حافظ على بقائها لنحو 60 عاماً، ولما تجد بعد بديلاً عنه. تواجه تهديدات وجودية من كل حدب وصوب، ولا تملك أي فكرة واضحة، تضمن لها حداً أدنى من معقولية النصر، لمواجهتها.
أحاسيس جديدة تنتابها، لم تألفها من قبل، في مقدمتها الندم (على عدم تحرير سمير القنطار وعدم توقيع اتفاق مع سوريا عندما سنحت لها الفرصة).
باتت كثيرة الكلام وقليلة الفعل. توزع التهديد والوعيد في كل الاتجاهات، وترضى في النهاية بتسويات مذلة (تهدئة في غزة وصفقة تبادل مع حزب الله، ومفاوضات مع دمشق استبقتها بتعهد بإعادة الجولان كاملاً)، قياساً إلى ما عهده العرب منها. تسويات تبدو الغاية منها نزع جميع الذرائع من أخصامها منعاً للخوض في تجربة ميدانية جديدة، تعرف أن كلفتها ستكون مرتفعة، وأنها قد تنزع عنها ورقة التوت.
وحده «الخطر» الإيراني الذي يبدو أنها لا تستطيع هضمه أو استيعابه؛ تشعر بأنها في سباق مع الوقت. تدرك أن بلوغ البرنامج النووي لطهران نهاياته «السعيدة»، يعني حكماً بدء نهايتها. تقف عاجزة عن مواجهته منفردة. تستغيث بربيبها الأميركي، الذي يبدو أنه في واد آخر.
أما في الداخل، فحدّث ولا حرج؛ فضائح تتوالى فصولاً تعكس مدى تغلغل الفساد في هيكلياتها. قادة تتنازعهم المصالح الشخصية، وتسيّرهم غرائزهم البشرية. باتوا يشبهون المسؤولين في أي دولة عادية، لا إسرائيل التي قامت أساساً، في منطقة معادية، على فكرة واحدة، يبدو أنها تبخرت: وطن بديل لليهود يضمن لهم الأمن والحياة الكريمة الخالية من الخوف والاضطهاد.
لكنها، مع ذلك، لا تزال تحتفظ بميزة واحدة تعطيها أملاً في انبعاث جديد: المساءلة. أبرز التعبيرات عنها إعلان إيهود أولمرت تنحيه الوشيك. ميزة تجسّد أسوأ كوابيس... الحكام العرب.