معتصم حمادة *غير أن الأكثر إثارة في حديث أولمرت كان بلا شك موضوع اللاجئين الفلسطينيين. إذ قال أولمرت إن هذه القضية باتت إلى حد ما متفقاً عليها، ويمكن والحال هكذا توقيع اتفاق بشأنها وبشأن الحدود، وتأجيل القدس إلى مرحلة سابقة.
أولمرت قال عن قضية اللاجئين إنّ إسرائيل أبلغت المفاوض الفلسطيني أنها غير مسؤولة عن مستقبلهم، وأنها لا تتحمل المسؤولية عما أصابهم، لا سياسياً ولا حقوقياً، ولا أخلاقياً، وأن حل قضيتهم شأن فلسطيني بحت، ويمكن أن يكون في إطار الدولة الفلسطينية. وأوحى أولمرت، بشكل أو بآخر، بأن التفاهم مع المفاوض الفلسطيني بشأن هذه القضية قد بات وشيكاً، وأن لا عقبات تعترض طريق الاتفاق هذا. الجديد هو ردّ الناطق بلسان رئاسة السلطة الفلسطينية نبيل أبو ردينة على تصريحات أولمرت. حول القدس كان موقف أبو ردينة جيداً، ويستحق التصفيق. لكن ما يستحق الإدانة هو صمته عن تصريح أولمرت بشأن قضية اللاجئين، وكأنّ أبو ردينة كان يوافق ضمناً على ما قاله أولمرت، وكأنّ ما قاله أولمرت لا يعكس موقفاً إسرائيلياً فحسب، بل كذلك يرصد حقيقة ما وصلت إليه المفاوضات ويكشف أن المفاوض الفلسطيني وافق على التخلّي عن حق العودة ووافق على حلول أخرى، من بينها نقل بضعة آلاف من اللاجئين (ربما من لبنان) إلى الضفة الفلسطينية، وتوطين الباقين في الدول العربية المضيفة، أو في دول أخرى تفتح أبوابها لاستقبال المهاجرين، ما يدفعنا إلى هذا القول، فضلاً عن صمت أبو ردينة، ما رصدناه في مرات سابقة من مواقف للسلطة الفلسطينية تصبّ في هذا الاتجاه.
فاتفاق أبو مازن ـــــ بيلين، الموقّع بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني عام 1995 نصّ على التخلّي الفلسطيني عن حقّ العودة مقابل الدولة الفلسطينية في الضفة والقطاع. بدوره أدلى الرئيس محمود عباس أكثر من مرة بتصريحات تصب في هذا الاتجاه. فهو الذي دعا الدول العربية المضيفة إلى منح اللاجئين الفلسطينيين جنسياتها. وهو الذي وافق على معالجة قضية اللاجئينن كما وردت في خريطة الطريق عبر «حل عادل متفق عليه» (مع الإسرائيليين طبعاً). وهو الذي أكد تمسكه بالقرار 194 باعتباره يكفل للاجئين «حقهم في التعويض» كما شرحه الرئيس عباس، متجاهلاً «حقهم في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هجّروا منها منذ عام 1948»، وهو النص الذي ورد حرفياً في وثيقة الوفاق الوطني (وثيقة الأسرى) التي وقّع عليها ممثّلو الحالة الفلسطينية الرسميون والحزبيون ورجال الأعمال، ومن بينهم الرئيس عباس شخصياً.
وهو الذي أشار أكثر من مرة إلى أن «عودة» اللاجئين سوف تكون إلى الدولة الفلسطينية. وكما بات مؤكداً، فإن هذا الحل هو نفسه الذي تم التوصل إليه في مفاوضات كامب ديفيد 2 في تموز (يوليو) 2000 بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي برعاية الرئيس كلينتون. وهو الحل نفسه كما ورد في مقترحات كلينتون إلى مفاوضات طابا نهاية العام نفسه ومطلع عام 2001، ولم يكن موضع خلاف بين الجانبين في ذلك الوقت وإن كانت المفاوضات قد تعرقلت بسبب مصير مدينة القدس وعدم الاتفاق على كيفية تقاسمها.
يُلاحظ أن المفاوض الفلسطيني ماضٍ في تنازله عن حق العودة، في موقف معاكس تماماً للحركة الشعبية الفلسطينية، المتمسّكة بحق العودة إلى الديار والممتلكات في مناطق 48. الأمر الذي يؤكد أن هذا الزخم الشعبي لم ينجح في الضغط على المفاوض الفلسطيني لردعه ومنعه من تقديم التنازل. ولعل هذا بسبب فقدان الآليات والأقنية الضرورية التي تنظم العلاقة بين المسؤول الفلسطيني والشارع، وبحيث يتمكن الشارع من رسم حدود تحركات المسؤول. وهذا، بطبيعة الحال يعيدنا إلى البحث في واقع المؤسسة الفلسطينية المهترئة وضرورة النضال لأجل إصلاحها، وبحيث ينتهي زمن التعيينات الفوقية، وينتهي زمن الاستفراد بالقرار الفلسطيني، ويعاد بناء المؤسسات التشريعية والتنفيذية عبر الانتخابات الديموقراطية، وبحيث يصبح القرار الفلسطيني قراراً وطنياً، هو حصيلة التفاعل والتشارك بين فئات الشعب وقواه السياسية على مختلف اتجاهاتها، عبر أطر وآليات متفق عليها. من هنا وجب القول إن واجب الكفاح من أجل إصلاح المؤسسة لا يقتصر على أبناء الضفة والقطاع، بل هو أيضاً واجب رئيسي من واجبات اللاجئين في الشتات.
* عضو اللجنة التنفيذيّة
للجبهة الديموقراطيّة لتحرير فلسطين