ارتفعت أسعار الغذاء العالمية أكثر من 40% خلال أقل من سنة واحدة. إلا أن أسعار بعض السلع الأساسية كالقمح مثلاً أو الأرز ارتفعت أكثر من 200% خلال الفترة ذاتها، ما أدى إلى قيام تظاهرات في العديد من بلدان العالم، ولا سيما في الوطن العربي. وقد أطلق الباحثون والمحللون اسم «أزمة الغذاء» على هذه الظاهرة العالمية. نعلم اليوم أن لهذه الأزمة أسباباً عديدة أهمها: ارتفاع أسعار النفط، ما أدى إلى ارتفاع كلفة إنتاج الغذاء وتصنيعه ونقله، شحّ الأمطار الذي أثّّر سلباً على الزراعة، وبالأخص على إنتاج الحبوب، استخدام الذرة لصناعة الوقود الحيوي بدل استخدامه غذاءً إنسانياً أو علفاً حيوانياً، تفكّك المنظومات الغذائية في البلدان النامية، وخاصة في أفريقيا، نتيجة إصلاحات فرضها صندوق النقد الدولي، تبدل الأنماط الغذائية في العديد من البلدان لمصلحة ازدياد استهلاك اللحوم والأغذية الجاهزة التي تتطلب كمية أكبر من المواد الخام لإنتاجها، والمضاربة والتلاعب بالأسعار من جانب الشركات الكبرى.كانت نتيجة كل هذه العوامل المتفاقمة تقلصاً في كميات الغذاء المطروحة في الأسواق، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار وتدني قدرة الفقراء على شراء الغذاء، وارتفاع عدد الجياع في العالم.
أدى وقوع الأزمة إلى تفاقم الصراع القديم الواقع بين أصحاب نظريات متناقضة في الأمن الغذائي. فرأى البعض أن الحل الوحيد للأزمة الغذائية يكمن في فتح الأسواق على مصراعيها، ورفع كل الحواجز أمام التبادل الحرّ. أما الفريق الآخر، فقد عزا الأزمة إلى تحرير التجارة وتحويل الغذاء من حاجة أساسية إلى سلعة تجارية خاضعة لشريعة العرض والطلب، ممّا يتيح التلاعب فيها من خلال الأسواق المالية. يناشد هذا الفريق آخذي القرار بإعادة النظر بالتجارة الحرة، وتشجيع الإنتاج الزراعي في بلادهم للتخفيف من الاتّكال على الأسواق الزئبقية.
يتأثر المحيط العربي بهذه التغيرات ربما أكثر من سائر البلدان النامية، إذ إنه فقد أمنه الغذائي منذ عشرات السنين. وأصبحت معظم البلدان العربية، وعلى رأسها بلاد النفط، تعتمد على الاستيراد لإطعام سكانها ولسد حاجاتها الغذائية. هذا أمر متوقع في بلاد الصحراء، حيث يقف شح المياه عائقاً أساسياً أمام إنتاج الغذاء المحلي، وحيث تتيح عائدات النفط المضاربة في الأسواق العالمية، لكنّ المسألة تختلف تماماً في البلدان الأخرى، حيث لا نفط ولا صناعة ولا مال فائض، وحيث لا يزال عدد كبير من المواطنين يسكن الأرياف ويعمل في القطاع الزراعي كلياً أو جزئياً، لا خيار عند تلك البلدان إلّا إنهاض اقتصادها الزراعي واستبدال وارداتها الغذائية بمنتوجات محلية.
ر. ز