مأمون ملاعب«جئت من فلسطين وأنا في توق للعودة إليها». كانت تلك أولى كلمات عميد الأسرى المحرر. هو في شوق للعودة إلى فلسطين محرراً. ثم قال في عبيه رداً على التهديد بقتله إنّه برغم بعده عن عدوّه يوماً فقط، فهو في شوق شديد لملاقاتهم. وطبعاً لملاقاتهم منتصراً في انتصار الأمة النهائي. لقد ولّى زمن الهزائم وجاء زمن الانتصارات. إلى جانب المعارك العسكرية والسياسية والإعلامية، ومعركة المفاوضات الشاقة، كانت المقاومة تخوض معركة مهمة جداً من نوع آخر، سُمّيت «معركة الوعي» التي أعلن العدو أن سماحة السيد قد انتصر فيها على إسرائيل.
معركة الوعي في أن المقاومة تحدد ما تريد وتحصل عليه. تخاطب الجمهور الإسرائيلي بما سيكون ويكون. تعد جمهورها وتفي. فيما إسرائيل لم تعد تعي ما تريد أو ما ستفعل، والجمهور الإسرائيلي فقد ثقته بقادته وبدأ يقضم القلق على مصيره. نعم لقد دخلنا في عصر الانتصارات في كل معاركنا.
تغوص هزائمنا في الزمن إلى ما قبل قيام دولة الاغتصاب، حيث حشرنا في كيانات ضعيفة وانتمينا إلى طوائف وأعراق دون الانتماء إلى الوطن. لكن في تلك الأثناء كان شعبنا، رغم ضعف إمكاناته، يخوض الصراع بعفوية.
مسألة فلسطين كانت «قضية عربية» بل قضية العرب. وتوالت الهزائم، وتحوّلت قضية العرب إلى قضية الشرق الأوسط، فهو يشمل إسرائيل، والقضية بنظر «المجتمع الدولي» هي قضية إسرائيل.
لقد هُزمت الجيوش العربية شر هزيمة في عامي 48 و67. ثم كانت انطلاقة المقاومة المسلحة تجذب الناس إليها، يدعمونها عاطفياً ومعنوياً ومالياً، حتى انضوى تحت لوائها مقاتلون من أكثر الدول العربية وبعض الدول الإسلامية وغيرها.
ومع كوننا موزعين على كيانات، فقد كانت فلسطين تجمعنا ممزقةً كل الحدود. لكن حدوداً جديدة بدأت ترتسم، ومع صعوبة تكوينها جغرافياً، إلا أن منظمة التحرير الفلسطينية رسمتها حين أعلنت أنها الممثل «الشرعي» و»الوحيد» للشعب القلسطيني. خطوة انعزالية مريضة تبتعد بالقضية من وطنية كبرى إلى زواريب ضيقة تحت صيغة وطنية تفوح منها روائح الهزائم في معركة الوعي لإرادتنا وحقنا.
كل مراحل الاختلاف بين منظمة التحرير والنظام الأردني، وما تلى من دور للجامعة العربية ومصر ولاتفاقية القاهرة، ثم كامب دايفيد والحروب في لبنان ومع سوريا، وكل ما شابه، كانت حرباً خارجية وداخلية على دورنا في الصراع مع العدو وعلى وعينا حقيقة الصراع فهشّمته. وكانت الطاعة الكبرى في دور مصر عبر الاتقاقية مع إسرائيل، وهي كبرى الدول العربية وإحدى دول الطوق، تفتح الباب أمام البقية للسير في مسيرة التفكك والانحلال الذي أدى إلى كل الخراب في العراق والخليج، ووجود دول الاعتدال وقبول إسرائيل في جغرافيا الشرق. إسرائيل التي كانت تحارب الجيوش العربية مجتمعة وتهزمهم، أصرّت على مفاوضتهم فرادى لصنع اتفاقيات ثنائية تؤكد على تمزيقنا وتهزم من خلالها شعبنا وتطيح القضية.
لم تعد مسألة فلسطين مسألة لبنانية وأردنية وعراقية... بل أضحت قضية الفلسطينيين، حتى ليس كل الفلسطينيين. وتقلّص الإعلام في كل الدول العربية من المطالبة بزوال إسرائيل إلى المطالبة بتعديل حدودها، ومن المطالبة بحق شعب بكل أرضه إلى المطالبة بعودة اللاجئين (أو بعضهم) إلى دولة لا تمثل وجودهم.
من سيقنع الفلسطيني بعد اليوم بأن عماد مغنية كان قائداً لبنانياً وحسب لا قائداً فلسطينياً أو سورياً؟ من يستطيع أن يسحب الزهو والعنفوان من نفوس شعوبنا على امتداد العالم العربي التي ترى بسماحة السيد نصر الله قائداً وطنياً وعربياً وإسلامياً فتعيده مجرد قائد لبناني؟
هذا ما قاله سمير القنطار في بيروت وعبيه. هو وعينا المتجدد. وهو ما يجب أن يقوله كل وطني ومن ثم كل مسؤول. سلاح المقاومة إلى ما بعد بعد شبعا. حربنا مع إسرائيل هي حرب وجود لا حرب حدود. وحتى تعود مسألة فلسطين مسألة لبنانية بالصميم، وأردنية بالصميم، وعراقية بالصميم... حتى ذلك الوقت القريب نكون قد انتصرنا بمعركة الوعي، وأدركنا بوضوح غايتنا ببناء نهضة لكل شعبنا على كل أرضنا. والسلام.