فداء عيتانيبينما كانت الثرثرة فوق منابر البرلمان تواصل انحدارها نحو العنصرية، وتسلك معارج ومواطئ لم يخطئ أحد في توقعها: الكلام المسفّ نحو تجديد العقد الانتخابي بين ممثلي الطوائف وجمهورهم. وبينما كان هناك من يطالب بترحيل القضية الفلسطينية لتتحول إلى عمالة وافدة في الخليج، وآخرون يتذكرون القضية الفلسطينية ويصفونها بوصفة دواء لأنصارهم تقيهم شر الإحباط والهزيمة. وبينما كان التهافت اللبناني يصل برئيس الحكومة إلى مناقضة بيان حكومته والتلعثم كل حين، يرحل محمود درويش، الشاعر الأكبر بين رفاق جيله وأبناء القضية الفلسطينية.
يرحل محمود درويش، ويبقى أحمد العربي، ذاك المقاتل الأخير في مخيم تل الزعتر الذي رصف درويش كلمات قصيدته الشهيرة يوم سقوط المخيم بيد الفاشيين اللبنانيين، وكان الصراع يومها أيضاً بشأن القضية الفلسطينية، و«الاستراتيجية الدفاعية» والنظام الطائفي المتهاوي، وحقوق الطبقات الأفقر في هذه البلاد، وخصخصة البحر وثرواته عبر شركة بروتين. يوم سقوط المخيم، نجا أحمد العربي من الموت، ولكن ليس من الخسارة، ومن ارتكب المجازر وقاتل ضد الفقراء بالفقراء، وصل اليوم إلى البرلمان وقاد 14 آذار، وتيارات تدّعي الوطنية وتمثيل مصالح أصحاب حقوق مهدورة، ووطن لا نعرف من الانتماء إليه إلا ترداد عبارات الوحدة الوطنية والسيادة والحرية.
32 عاماً انقضت منذ كتابة محمود درويش قصيدته أحمد العربي، وقد تغير كل شيء، ولكن لم يتغير شيء. البلاد كل البلاد «من المحيط إلى الخليج» لا تزال «تعدّ الرماح والجنازة وانتخاب المقصلة».
لم يتغير الكثير، وإن كان قد تغير كل العالم، تغير محمود درويش نفسه، وتغير الكوكب، وتقلّبت الوجوه، وانتقلت الكوفية من مكان إلى آخر، وانهارت أحلام الفقراء، وصعدت أمواج من المناضلين الجدد، وخبت أحلام وردية رسمتها دلال المغربي وليلى خالد أطفالاً على خيم وزعها الصليب الأحمر على اللاجئين في لبنان، وصعد رؤساء حكومات احتلوا المنابر وبكوا وتباكوا على القتلى، ودمروا مخيمات اللاجئين تحت شعارات جديدة، وعنصرية متجذرة.
حين كان البرلمانيون يثرثرون فوق المنابر، كان درويش يلفظ أنفاسه، وإيهود باراك يؤكد: «الشرق الأوسط محيط لا رحمة فيه للضعفاء».