جيزيل خلفإنها الجمعية العمومية التي تسبق انتخابات مجلس فرع الطلاّب في الجامعة اللبنانية، مندوب أحد الأحزاب مدعوّ لإلقاء كلمته، يقف على رؤوس أصابعه لبلوغ الميكروفون، ويعلن: «نحن قصار القامة ولكن عقولنا عظيمة...»، ينهي كلمته، فيطل مندوب حزب آخر ويقول: «الحمد لله نحن من طوال القامة وأفكارنا عظيمة أيضاً...». الطالب القصير جداً يختلف عن باقي زملائه في الكلية، تحاصره عيون الآخرين ويحاصرها.
منى تعاني من السمنة الزائدة، إذ يطأ وزنها عتبة المئة وثلاثين كيلوغراماً، في الثلاثين من عمرها لم تجد شريك العمر بعد، وتردد «الرجل يريد واحدة للزواج لا اثنتين»، زميلات منى يخاطبنها بصيغة الجمع، هي تضحك علناً وتبكي في سرها «المرأة يجب أن تكون جميلة، أي نحيفة».
خنصر رهف مبتور، وهي لا تعير الأمر اهتماماً، لا تأبه لتعليقات أو إيماءات سخيفة، ولكنها لا تستطيع تجنبها وترد «لن أعطي الناس دروساً في الأخلاق». قوة رهف يقابلها ضعف عند عدد كبير من النساء اللواتي يعانين بعض «الاختلاف» في الشكل، فليلى امرأة في العقد الرابع، وهي أم لأربعة أطفال، تعرضت لحادث سير قبل عشرين عاماً، قُطع على أثره عصب الجهة اليمنى من وجهها، ولم تصلح العمليات الجراحية ما أفسده الحادث، وهي تقول «لا يبتسم الآخرون حين أبتسم لهم»، وتضيف: «أرى نقصي في عيون أطفالي وزوجي».
الاختلاف طبيعي، فلماذا نواجه المختلفين بالرفض والاستهزاء؟
يقول أستاذ علم الاجتماع الدكتور عبّاس مكّي إن لهذه الاختلافات بعدين، الأول نفسي يتعلق بتقدير الفرد لذاته، فثمة أشخاص يتغاضون عن «مشاكل» لديهم بسبب التقدير العالي للذات الذي يتمتعون به، فيما النقص في «المخزون النفسي» قد ينسف توازن الفرد. البعد الثاني وهو البعد الاجتماعي، أي إن المجتمع يفرض مقاييس ثابتة يجب أن يتلاءم الأفراد معها، فهناك مقياس للشكل، وطريقة النطق، والحركات، والوضع الاجتماعي، وهكذا فإن الفرد وإن تآلف مع ما يُعدّ في المنظور الاجتماعي «نواقص»، فإن الآخرين لن يرحموه بل يرمونه بسهامهم بلا هوادة، وهكذا يصبح الآخرون مصدر هذا النقص لا الفرد بحد ذاته.
وبحسب مكّي «فإن العقدة تُحل عندما يستطيع الفرد أن يجد توازناً حقيقياً بين قدراته ونواقصه، مع إدراكه الفعلي لأهمية الاختلاف».
وأوضح مكّي أن القضية تخص كل المجتمعات «مع اختلافات بسيطة، إذ إن طبيعة المجتمع الأوروبي تختلف عن طبيعة المجتمعات الشرقية من حيث تقبل الآخر واحترامه على الصعيد الاجتماعي، الأمر الذي يغيب في المجتمعات الشرقية مع قدر أكبر من التدخل وغياب الخصوصية الفردية وصفة الإنسانية الحقيقية الشفافة».
وركّز مكّي على «أهمية احترام الذات والإعلاء من شأنها، وهو موضوع يحتل رقعة واسعة في دراسات علم النفس التي تحذر من آثار التبخيس بالذات النفسية، التبخيس ينتج من مصادر عديدة، كالعيب في الخَلق أو الخُلق الذي يتبلور مع تراكم الضغوط الاجتماعية المقصودة والعفوية، فيما الإعلاء من شأن الذات غالباً ما يكون على حساب التهكّم على الآخر والتبخيس به».
مكّي رأى «أن البعد الأخلاقي لدى أفراد المجتمع هو ما يُعَوّلُ عليه، فعلى كل فرد أن ينظر إلى إمكاناته للعطاء وأن يجعل من نقاط الضعف الوهمية حافزاً للتقدم»، مكّي رحّب بفكرة «أن يضع كل فرد مقاييسه الخاصة ويتجاهل قيود المجتمع اللاإنسانية ويكف عن جلد نفسه ليحقق التوازن النفسي المقبول».