وائل يحيىإن المقاومة الشعبية ضرورة ما دام على حدودنا الجنوبية كيان متوحش غاصب. ولكن للمقاومة مقوّمات حتى تصمد أمام هذا العدو. أهم هذه المقومات أن تكون مؤلفة من كل أطياف الوطن، وأن تكون وطنية بامتياز كما كانت عام 1982 وما قبل؛ على المقاومة أن تترك العمل السياسي لكي تبقى نظيفة وموحّدة، وألا تدخل في زواريب السياسية الفاسدة، كما نراها على شاشات التلفزة في هذه الأيام؛ على المقاومة أن ترفع يدها والغطاء عن كل فرد يتبيّن ضلوعه في العنتريات والعنف الداخلي المؤجج للطائفية البغيضة؛ على كل مقاوم ومن ثم جمهور المقاومة، أن لا ينسوا أهمية المقاطعة الاقتصادية للشركات التي تتعامل مع هذا العدو مباشرة أو غير مباشر، فلا يجوز محاربة هذا العدو الهمجي من جهة ومن جهة ثانية مساندته اقتصادياً. إن وجود مقاطعة رسمية للكيان الصهيوني والشركات الداعمة له تسهّل المهمة.
ولكن منذ اتفاق أوسلو والمقاطعة الرسمية إلى زوال، وبالأخص هنا في لبنان، حيث إن وزارة الاقتصاد تمتنع عن الإدلاء بأية معلومات في هذا الشأن. ومنذ فترة قصيرة بيعت أكياس «مارشمالو» وعليها كتابات بالعبرية هنا في بيروت الوطنية، وكذلك، حسب تقرير لـ«تلفزيون الجديد»، فإن منطقة الشمال تحوي سلاحاً عليه كتابات عبرية.
في السابق، كان هناك جهاز المقاطعة الاقتصادية للكيان الصهيوني الذي أنشأته جامعة الدول العربية، وهو الجهاز العربي الوحيد الذي عمل بكفاءة وفاعلية منذ بدايته في عام 1951. وحتى بداية عملية «السلام» على المسار الفلسطيني في بداية التسعينيات. وتشير بيانات المكتب الرئيسي للمقاطعة العربية في دمشق إلى أن الخسائر التي تكبّدها الكيان الصهيوني بسبب هذه المقاطعة أخذت في التراكم مع مرور الوقت، حتى بلغ إجمالي الخسائر مليارات الدولارات منذ بداية المقاطعة وحتى عام 1999، رغم اتساع الثقوب في جدار هذه المقاطعة.
وبسبب تأثير هذه المقاطعة على الشركات، بدأت الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا بممارسة ضغوطهما من أجل وقف هذه المقاطعة. هنا بعض الأمثلة لمدى أهمية المقاطعة الرسمية والشعبية إن وجدت، فقد تأثرت حركة استيراد البضائع التابعة للكيان الصهيوني في عدد من البلدان الأوروبية خلال عام 2002 بعد مجزرة مخيم جنين، فانحسرت في الدانمارك بنسبة 14% حتى تشرين الثاني 2002، إثر تبنّي الاتحاد العمالي العام الدانماركي قرار المقاطعة، وفي فرنسا تراجعت 17%، كما أعلن رئيس بلدية سوكلان الفرنسية أنه وسكان بلدته مقاطعون رسمياً البضائع التابعة للكيان المغتصب.
وفي ألمانيا انخفض الاستيراد بنسبة 23%، وفي إيرلندا بنسبة 63%. أما في السويد فقد كان الانخفاض بنسبة 24%، وقد أعلنت وزيرة الخارجية السويدية آنذاك أنها شخصياً تقاطع هذه البضائع. هم يقاطعون تعاطفاً معنا، فكيف لا نتعاطف مع أنفسنا؟
إن مشروع مقاطعة الشركات التي تدعم العدو الصهيوني اقتصادياً ينطلق من مناخ الحرص على مصالح الشعوب لا الأنظمة وأجهزة بطشها. والوعي لجرائم أميركا وربيبتها الدولة العبرية ومجازرهما لا ينفصل عن الإحساس بتأنيب الضمير لدى الإصرار على استعمال منتجاتهما وسلعهما.
في الطرف الآخر، أي دعمنا لشركات تساند الاقتصاد الصهيوني عن قصد أو غير قصد، تبيّن الإحصاءات أن المدخنين في العالم العربي والإسلامي الذين يشترون منتجات شركة «فيليب موريس» وحدها، يمدّون العدو الصهيوني يومياً بتسعة ملايين دولار بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
وبحسب لوائح الجمعيات التي لا تزال تنظّم عملية المقاطعة، فإنّ أصناف الدخان التي تملكها ماركات «فيليب موريس» هي: مارلبورو، ميريت، بارليمنتن، تشسترفيلد. أما بعض أصناف الأغذية والمشروبات التي تملكها والتي تجب مقاطعتها أيضاً: قهوة ماكسويل، بسكويت أوريو، شوكولا توبليرون، جيلو رويال ونابيسكو.
وبحسب المعلومات الصحافية، فإنّ شركة «فيليب موريس» تدعم حزب «ميريتس» الصهيوني ومؤسسات مدنية تابعة له، كما تموّل مهرجان الفنون في عين حوض، وهي بلدة فلسطينية جرى فيها تطهير عرقي كامل للفلسطينيين عام 1948. إضافة لدعمها المباشر للكيان الصهيوني، تقوم «فيليب موريس» بانتهاكات لحقوق الإنسان تتراوح بين تخريب الصحة العامة وتدمير البيئة ودعم التهريب وعصابات المخدرات واستغلال الأطفال. خارج نطاق «فيليب موريس» هناك شركة «نستله» السويسرية التي أيضاً تدعم الكيان الصهيوني.
أيضاً هناك شركة «كوكاكولا» من أكبر الشركات الداعمة للكيان الصهيوني. تدعم «كوكاكولا» مادياً «الاتحاد اليهودي لأتلنتا الكبرى». هذا الاتحاد يساعد المهاجرين اليهود على الاستيطان في فلسطين، ويقدم خدمات بما فيها برنامج (Birthright israel) الذي يمنح أي شاب يهودي أو شابة يهودية في العالم فرصة السفر مجاناً إلى «أرض الميعاد» كي يكتشفا حقهما «الطبيعي» في فلسطين.
المقاطعة العربية للعدو الصهيوني وكل مَن يسانده هي إجراء «وقائي»، لأنه يستهدف حماية أمن البلاد العربية وسلامتها من هذا الخطر، كما أنها إجراء «دفاعي» لأن غرضها الأساسي منع سيطرة رأس المال الصهيوني على الاقتصاد العربي. لكل مَن يعتقد أن المقاطعة غير فعالة، فليقرأ ما قاله بعض الصهاينة عن هذا الموضوع:
موشي دايان الإرهابي قال: «عرضنا على عبد الناصر الجلاء من سيناء مقابل إنهاء المقاطعة العربية ورفض!».
عيزرا وايزمان المجرم اعترف بالآتي: «السادات وعدنا بإنهاء المقاطعة قبل انسحابنا من كل سيناء وفعل».
كما كُشِفَ النقاب عن وثيقة للصهاينة «سريّة» تطلب من بريطانيا وفرنسا وأميركا اتخاذ «إجراء ثلاثي رادع» ضد الدول العربية التي تلتزم بمقاطعة الكيان الصهيوني.
أخي القارئ، صاحب الفكر المقاوم، لنجاح أية مقاطعة يجب أن تتوافر مجموعة شروط وهي:
1ـــ أن تكون شاملة لجميع أنواع السلع والخدمات، وخاصة التي لها بدائل.
2ـــ دعم الإنتاج المحلي وإيجاد البدائل للسلع الأميركية والأوروبية الداعمة للكيان الصهيوني.
3ـــ أن لا تكون فقط ردة فعل، ولفترة زمنية محددة.
4ـــ أن تقوم بها جميع فئات الشعب.
5ـــ التوعية الإعلامية والتركيز على أهمية المقاطعة وتأثيرها في دعم إخواننا في فلسطين المحتلة.
6ـــ التحصّن من الغزو الثقافي الذي يسوّق للثقافة والحضارة الغربيتين.
يا جمهور المقاومة، لا تصدقوا كل مَن يدّعي المقاومة، وبالأخص الذين يودعون أموالهم في بنوك أوروبا وأميركا وأملاكهم في الخارج، حيث من المفروض استثمار أموالهم في مشاريع تفيد وطنهم وشعبهم، هكذا تكون المقاومة الصحيحة.