حازت المصورة الشابة ريما مارون جائزة أنا ليند الأورومتوسطية للحوار، بعدما استخدمت الفن وسيلة لتعزيز التفاهم المتبادل في المنطقة
فاتن الحاج
لم تشعر بأنّ «الكاميرا» القديمة التي حملتها، بإيعاز من أبيها، لمرة يتيمة منذ نحو عشر سنوات سترافقها مدى الحياة. «بالغلط» دخلت ريما مارون (24 عاماً) إلى قسم التصوير الفوتوغرافي في جامعة روح القدس الكسليك، بعدما خذلها «الحظ» في دراسة المسرح في الجامعة اللبنانية. لكن المسرح الذي امتهنته بالتجربة مدى 7 سنوات لن «أدرسه مرّة ثانية في المعاهد والجامعات».
«هيك بلشت تصوير، وكمّلت مسرح»، تقول ريما التي بدأت تختبر جوانب تقنية مختلفة في المهنة الأولى لم تتعلّمها في سنوات الدبلوم الذي نالته في عام 2006. «في الجامعة كنا ندرس المقاربات الفنية، لكن واقع السوق مختلف، وبدنا نعيش والأعراس ما بتشكي من شي».
أحبت ريما التصوير بعد التخرّج، وراحت تبحث عن مفهوم الصورة وقدرتها على اجتذاب الناس، فيما بقي «المسرح في دمي».
تفضل الكاتبة والممثلة المسرحية الشابة الحديث أولاً عن تجربتها في عالم المسرح التي بدأت في مدرستها «الشانفيل».
هناك شاءت الصدف أن تتعرف خلال ورش العمل المكثفة إلى مسرحيين فرنسيين كانوا يعملون على أوضاع الفلسطينيين في بيروت وطرابلس، وأسست معهم جمعية «كهربا». لماذا «كهربا»؟ اسم يشير إلى الطاقة والأمل، توضح ريما، فالجمعية تسعى إلى الحوار، وقد تبلورت فكرتها خلال حرب تموز حيث عمل أفرادها على تنشيط الأطفال وأنتجوا بعد ثمانية أشهر أول مسرحية تتوجه إليهم «عربيتنا» التي تروي قصة ثلاث شخصيات يستقلون السيارة و«يسافرون» بين المناطق اللبنانية، «فسافر العرض معنا في لبنان وسوريا وفرنسا». تقودك الحشرية إلى معرفة سبب هذه الكيمياء مع الفرنسيين، وما إذا كانت ريما عاشت طفولتها هناك، يأتيك النفي سريعاً «لا لم أزر فرنسا سوى مرتين لضرورات العرض فقط».
تنشغل ريما حالياً في التحضير لمسرحية جديدة للكبار تشارك فيها تمثيلاً وإخراجاً «تنذكر ولا تنعاد»، «بس مش للحرب»، توضح بتلقائية.
قبل «كهربا»، مثّلت ريما وأخرجت عدداً من المسرحيات الصغيرة في أيام المدرسة منها دون كيشوت، صراخ الليل، سلة قش، كارت بوستال، «dans le dos des villes surprises»، ومن وادي لوادي.
صحيح أنّ الممثلة والمصوّرة لم تنشأ في بيت فني، لكن حضور الأم الرسامة ومدرّسة الباليه والأب المهندس العاشق للقراءة كان كافياً لتوفير الجو الثقافي الحاضن للإبداع، على حد تعبيرها.
أما في التصوير الفوتوغرافي، فاتجهت ريما أولاً إلى العمل التجاري، «وبعدين علقت الحرب واشتغلت مع الأولاد النازحين في المدارس».
وحين توقف القصف، «تعرفتُ بالصدفة إلى المصوّر الأميركي أندرو ستيرن الذي كان يحضّر «ريبورتاج» في الجنوب، فكنت أساعده في الترجمة وأصوّر في الوقت نفسه». هنا انطلق المشروع عن «الأطفال في مناطق في الجنوب» بعنوان «Murmures»، أو «وشوشات»، وفاز بجائزة أنا ليند الأورومتوسطية للحوار بين الثقافات لعام ۲۰۰٨، لكونه عكس دور الفن في تعزيز التفاهم المتبادل بين شعوب المنطقة الأورومتوسطية. وكانت ريما قد صوّرت موضوعاً آخر، رصدت فيه الحياة اليومية لإحدى العائلات الناجية في قانا. لكن ما يحز في نفسها أنّ صور المشروعين عرضت في فرنسا وسوريا ولم تعرض في لبنان حتى الآن.
سعت ريما في المشروع الفائز إلى الخروج من المشاهد العنفية، لتصوّر الأطفال يديرون ظهورهم للمشاهد، فبدلاً من أن يتكلموا من خلال المأساة في عيونهم، راحوا يروون قصصهم عبر تعابير أجسادهم، فيقولون نعم للحياة. «هنا يبدأ الحوار والمشاهد يتفاعل».
تستدرك ريما: «الموضوع لم يكن قاسياً بالنسبة إليهم، كنا عم نصوّر ونلعب». تبدو فخورة بالجائزة لأنها تدافع عن فكرة كبيرة. تستبعد أن تتخلى عن أي من التصوير والمسرح وإن كانا يأخذان كل وقتها.