صيدا ــ خالد الغربيلم يكن إيمانه بالحركة العمّالية عبثيّاً، فقد كان من عمالقة العمل النقابي وقد حوّل مكتبه في مقر الاتحاد إلى مكتب إرشاد واستماع لشكاوى العمّال ولجلسات تصوّفية عن «الإنسانية المقهورة ورصّ الصفوف والتضامن العمّالي الذي يجب أن لا تحدّه حدود».
اعتُقل مراراً في سجون السلطة اللبنانية التي رأت فيه خصماً شرساً، حتى بات يُحسب لاسمه في مدينته ألف حساب في الإضرابات، فكانت المحالّ والمؤسسات التجارية تقفل أبوابها لحظة يعلن أبو ماجد الإضراب. «إجا حسيب»، كلمة كثيراً ما رافقت الحركة الاحتجاجية المطلبية وردّدها بعض التجار، ويروي كثيرون ممن عايشوا مرحلة نضال الستّينات أنه عندما كانت الدعوات تُطلق لإضراب ما كانت الحركة النقابية تطمئنّ مسبقاً إلى أنّ التجاوب مع الإضراب في صيدا والجنوب سيكون ناجحاً جداً، وخصوصاً أنّ «حسيب تكفّل بالموضوع».
لم يفرّق حسيب بين معركته الداخليّة مع السلطة والمعركة ضد العدو الإسرائيلي، حيث أدّى دوراً بارزاً في القضايا الوطنية وفي الدفاع عن فلسطين وقضايا العرب، ولعلّ الدور الأهم و«المنسي» يتجلّى خلال فترة الاحتلال الصهيوني لمدينة صيدا وتفعيل حركة الاحتجاج ضدّ العدو. ويذكر أحد الزملاء الإعلاميين ممن عايشوا تلك المرحلة بعض الشواهد عن حسيب ودوره البارز في العمل المقاوم ومنها «غضبه الشديد ذات يوم من عام 1983، عندما قرر أحد المصارف وضع منزل مصطفى سعد قيد الرهن تمهيداً لبيعه في المزاد من أجل إيفاء مبلغ كان قد استدانه لدعم أسر المعتقلين في السجون الإسرائيلية وعوائل الشهداء والجرحى». يومها «وقف حسيب أمام أحد محال الحلويات المشهورة في المدينة، وشتم ما يُسمّى بالقيادات الوطنية في بيروت اللي قاعدين عم ينفخوا كروشهم ونحنا عم نموت هون».
ولد أبو ماجد في يافا عام 1935 وأنهى دراسته الثانوية في القاهرة. تابع الدروس في كلية الحقوق في جامعة بيروت العربية. عمل في مهن متعدّدة، فمارس التدريس في الكلية الجعفرية في صور، وعمل مدرّباً عسكرياً مع الجيش اللبناني لطلّاب المدارس في صيدا والجنوب، وموظفاً في القطاع المصرفي، ثم في القطاع التجاري. شارك في تأسيس الحركة النقابية في صيدا والجنوب منذ بداية الخمسينيات، وخاض النضال النقابي الوطني في «كتلة نقابات الجنوب»، ثم في اتّحاد نقابات العمّال والمستخدمين في صيدا والجنوب منذ الترخيص له في أواخر عام 1966، اشترك في قيادة «جبهة التحرر العمالي» منذ تأسيسها عام ١٩٦٤ ومثّل اتحاد نقابات الجنوب في المجلس التنفيذي لاتحاد نقابات العمال العرب، وشارك بفعالية في المؤتمرات العربية والدولية. أصبح نائباً لرئيس الاتحاد العمالي العام منذ ١٩٨٣، ومثّل الاتحاد في مؤتمرات دولية وعربية عديدة.
بدأ نضاله السياسي عام ١٩٤٩ ضمن مجموعة الحزب الشيوعي في صيدا. وشارك في تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان والجنوب. منذ عام ١٩٥١ حتى عام ١٩٦١ كان له دور فعّال وقيادي في ثورة ١٩٥٨ ومقاومة المشاريع الاستعمارية. وشارك في أواسط الخمسينيات في تكوين مجموعات العمل الفلسطيني المسلح داخل الأراضي المحتلة قبل قيام الثورة الفلسطينية في أوائل الستينيات. في مرحلة الثورة الفلسطينية أسس مع رفاق له «جبهة دعم الكفاح الفلسطيني المسلح». وأدّى دوراً مؤثراً خلال الاحتلال الإسرائيلي في تنظيم أعمال المقاومة والتعبئة الشعبية ضده، وقاد أول إضراب في وجه الاحتلال في ٦ حزيران 1983. تعرض خلال هذه المرحلة للملاحقات والتهديدات ومحاولة الاغتيال فاضطر إلى متابعة النضال من بيروت ابتداءً من تموز 1984.