صباح أيّوب
قيل لذويهم إنهم وُجدوا أشلاءً في «البارد» وفي بيروت وطرابلس. احتفالات متنقّلة ونعوش مزيّنة بالأعلام تجوب ساحات البلدات الصغيرة. هدوء منفّر ووجوه لا تبتسم. «مهرجانات عكّار» ترحّب بكم. لم أزر بلدي كثيراً هذه السنة، لكنه المشهد عينه في كل مرّة.
لم نخض حروباً طاحنة ضد إسرائيل. صحيح. ولم تصلنا الحرب الأهلية إلا في فرص نادرة. «مزبوط».
لكننا حُمّلنا أوزار كوارث البلد كلها وشُطبنا عن خريطة الأحزاب، والحكومات، والجمعيات الأهلية... لا جامعات في عكّار، لا مصانع ولا شركات ولا استثمارات، لا أحلام. ذهب الشباب بما بقي لهم من مستقبل إلى صفوف الجيش. وها هم يعودون منه اليوم أشلاءً. فها نحن نقتلع العرائش ونحرق السهول ونقطع الأشجار. شربنا مياه الينابيع كلّها. لا نريد خَضاراً ولا جمالاً ولا سياحة. تعبنا من «حسن الضيافة» واعتزلنا الكرم ولم تجلب لنا الشهامة سوى مزيد من البؤس. أقفلنا منازلنا على أنفسنا وربطنا أولادنا بأسرّتهم وجلسنا هامدين. لا ننتظر شيئاً من أحد، لم نعتد على ذلك.
لكننا ناقمون عليكم وعلى مسؤوليكم وعلى من انتخبنا ومن لم ننتخب. لبسنا الأسود بالجملة وسلّمنا سلاح الحياة. فَوَيْلٌ لمن يجرؤ على السعادة، ويلٌ لمن ينصحنا بحبّ الحياة.

* عكّار: اتجّهـ(ي) بإصبعك صعوداً إلى شمال الخريطة. ليست قرية واحدة، بل مئات من القرى. لا تحاول أن تقلّد لهجة أهلها، لن تُفلح، وستبدو غبياً.